أعاد إتفاق «خفض العنف» مع واشنطن، حركة طالبان إلى الواجهة كأهم الفاعلين في أفغانستان. وتذهب رواية قبل ربع قرن أن فتاتين أفغانيتين اختطفتا ربيع 1994 من قبل إحدى الفئات المتناحرة، فقام الملا عمر بجمع 30 مقاتلاً من طلبة المدارس الدينية، وخلصوا الفتاتين وشنقوا الخاطفين. ثم اختفى وعاد ومعه ألفي مقاتل بدعم من الاستخبارات الباكستانية. فتمكن من قندهار، ثم هاجم إسماعيل خان غرب البلاد في «هيرات» 1995، لينفتح الطريق ويحاصر «كابول» وفيها الزعيمان المتناحران رئيس أفغانستان برهان الدين رباني وقلب الدين حكمتيار، اللذان فشلا في الاتحاد ضده، فوقعت العاصمة في خريف 1996 في يد طالبان التي أقامت إمارة أفغانستان الإسلامية.
رحب معظم شعب أفغانستان بطالبان بدوافع عدة، منها انهيار حركة غريمهم أحمد شاه مسعود. وبسبب الحروب الأهلية الطاحنة بين الفصائل الأفغانية وقتلت أكثر من 40 ألفاً، بالإضافة إلى فشل الوسطاء الدوليين في وضع حد لهذه الحروب، وإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد. والأهم خطر التقسيم، وانتشار الفساد وتجارة السلاح والحشيش والرذائل، وتشكل طبقة أثرياء من هؤلاء الفاسدين في المجتمع الأفغاني المحافظ. كما كانت هناك عوامل خارجية، فجارتها باكستان لم يطب لها وصول رباني ومسعود للسلطة، لميلهم للتعاون مع الهند، أما واشنطن ودول الخليج فلم تمانع من ظهورها في بداية الأمر، لكن الوضع انقلب لتصبح من ألد أعدائها، لوقف التوغل الإيراني باتجاه الشرق. وكان من تبعات وصول طالبان دخول واشنطن بقوة ثم الناتو لمطاردة التشكيل الذي كان يدمر البلاد أينما توجه.
والمشهد الليبي حالياً، يشبه المشهد الأفغاني حين خرجت طالبان، وأقول يشبه فقط، توخياً للاعتدال، ولن أقول حد التطابق في العوامل الخارجية والداخلية. فقد ترك القذافي من السلاح في ليبيا ما يجعل قرار حظر توريد السلاح نكتة سمجة كما قالت الأمم المتحدة، فهذه الوفرة لم تكن متوفرة لطالبان، مما يعني أن وتيرة العنف في كابول أقل منها بين بنغازي وطرابلس. وكما عجزت الأحزاب والأيديولوجيات في أفغانستان عن تقديم نفسها بديلاً للقبائل وأعرافها، عجزت حركات وهياكل ما بعد القذافي عن تقديم نفسها بديلاً عن القبيلة الليبية، التي أصبح لها مجالس ونفوذ بلغ من قوتها تحديد مطالبها وشروطها، نظير إعادة فتح حقول النفط التي في أراضيها، بالضبط كما كانت القبيلة العربية تحمي المراعي والآبار في ديارها. ولا يمكن لمراقب موضوعي أن ينكر كثرة الجماعات الدينية ودوافعها في هيكل الصراع في ليبيا. وستكون هذه البيئة خصبة بما يكفي لخروج طالبان ليبيا، فقد يكونون على وشك الانتهاء من تشكل هيكلهم الفكري مدفوعين بالعوامل الداخلية والخارجية التي تشبه ظروف ولادة طالبان بكوادرها من طلبة المدارس الدينية. ومن جانب آخر يمكن أن تظهر طالبان ليبيا لا دينية المنطلقات، بناء على الدعم الخارجي الذي سيشكلها.
* بالعجمي الفصيح:
لقد شرعت الأبواب لطالبان لتظهر على مسرح الأحداث شرارة اغتصاب فتاتين أفغانيتين، وقد سوق شعبيتهم نجاحهم بالقصاص من المجرمين، لكن الأهم كان تذمر الأفغان أصلاً من عدم الحسم بين رباني وحكمتيار، والتدخل الأجنبي، والأزمة الممتدة. وعليه فاغتصاب كرامة ليبيا كما حدث في أفغانستان يجعل ظهور طالبان ليبيا مسألة وقت.
* كاتب وأكاديمي كويتي
رحب معظم شعب أفغانستان بطالبان بدوافع عدة، منها انهيار حركة غريمهم أحمد شاه مسعود. وبسبب الحروب الأهلية الطاحنة بين الفصائل الأفغانية وقتلت أكثر من 40 ألفاً، بالإضافة إلى فشل الوسطاء الدوليين في وضع حد لهذه الحروب، وإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد. والأهم خطر التقسيم، وانتشار الفساد وتجارة السلاح والحشيش والرذائل، وتشكل طبقة أثرياء من هؤلاء الفاسدين في المجتمع الأفغاني المحافظ. كما كانت هناك عوامل خارجية، فجارتها باكستان لم يطب لها وصول رباني ومسعود للسلطة، لميلهم للتعاون مع الهند، أما واشنطن ودول الخليج فلم تمانع من ظهورها في بداية الأمر، لكن الوضع انقلب لتصبح من ألد أعدائها، لوقف التوغل الإيراني باتجاه الشرق. وكان من تبعات وصول طالبان دخول واشنطن بقوة ثم الناتو لمطاردة التشكيل الذي كان يدمر البلاد أينما توجه.
والمشهد الليبي حالياً، يشبه المشهد الأفغاني حين خرجت طالبان، وأقول يشبه فقط، توخياً للاعتدال، ولن أقول حد التطابق في العوامل الخارجية والداخلية. فقد ترك القذافي من السلاح في ليبيا ما يجعل قرار حظر توريد السلاح نكتة سمجة كما قالت الأمم المتحدة، فهذه الوفرة لم تكن متوفرة لطالبان، مما يعني أن وتيرة العنف في كابول أقل منها بين بنغازي وطرابلس. وكما عجزت الأحزاب والأيديولوجيات في أفغانستان عن تقديم نفسها بديلاً للقبائل وأعرافها، عجزت حركات وهياكل ما بعد القذافي عن تقديم نفسها بديلاً عن القبيلة الليبية، التي أصبح لها مجالس ونفوذ بلغ من قوتها تحديد مطالبها وشروطها، نظير إعادة فتح حقول النفط التي في أراضيها، بالضبط كما كانت القبيلة العربية تحمي المراعي والآبار في ديارها. ولا يمكن لمراقب موضوعي أن ينكر كثرة الجماعات الدينية ودوافعها في هيكل الصراع في ليبيا. وستكون هذه البيئة خصبة بما يكفي لخروج طالبان ليبيا، فقد يكونون على وشك الانتهاء من تشكل هيكلهم الفكري مدفوعين بالعوامل الداخلية والخارجية التي تشبه ظروف ولادة طالبان بكوادرها من طلبة المدارس الدينية. ومن جانب آخر يمكن أن تظهر طالبان ليبيا لا دينية المنطلقات، بناء على الدعم الخارجي الذي سيشكلها.
* بالعجمي الفصيح:
لقد شرعت الأبواب لطالبان لتظهر على مسرح الأحداث شرارة اغتصاب فتاتين أفغانيتين، وقد سوق شعبيتهم نجاحهم بالقصاص من المجرمين، لكن الأهم كان تذمر الأفغان أصلاً من عدم الحسم بين رباني وحكمتيار، والتدخل الأجنبي، والأزمة الممتدة. وعليه فاغتصاب كرامة ليبيا كما حدث في أفغانستان يجعل ظهور طالبان ليبيا مسألة وقت.
* كاتب وأكاديمي كويتي