في العام 2003، كتب المفكر الجزائري-الفرنسي الدكتور محمد أركون مقالاً، نشرته صحيفة «لوموند ديبلوماتيك»، آنذاك: «إن تاريخ العلاقة بين المسلمين والغرب ما هو إلا تاريخ الأوهام التي تفضي إلى مزيد من سوء الفهم والمواجهات غير الضرورية».
تذكرت قول أركون، وأنا أطالع خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي أعلن خلاله عن خطط لسنّ قوانين أكثر صرامة للتصدي لما سمّاه «الانعزال الإسلامي»، في إطار الدفاع عن القيم العلمانية (...) وذلك «وبحسب رأيه»، لأن أقلية من مسلمي فرنسا أصبحوا يمثلون خطر تشكيل «مجتمع مضاد».
هذا أهم ما جاء في الخطاب بخصوص المسلمين، وشخصياًُ لا ألوم الرئيس الفرنسي بشأن عزمه تعزيز البنية التشريعية لحماية بلده من أي تهديد، وذلك في إطار المقاربة الفرنسية للديمقراطية والمواطنة التي تقوم على التلازم بينهما، والاعتداد بالمواطن الفرد، وليس بالجماعات العرقية والإثنية، وهذه الفردانية جنبت فرنسا الاستقطاب المجتمعي والانقسام الديني والطائفي. ولكن مع ذلك، فإن السيد ماكرون قد تجاهل في خطابه الإشكالات الجوهرية وراء الانكفاء، واكتفى بتشخيص الأعراض من دون أسبابها، ومنها:
* إن الظاهرة التي شخص بعض مظاهرها، ترتبط بمشكلات عميقة بنيوية، ذات طابع اجتماعي-اقتصادي بالدرجة الأولى، إذ من رحم البؤس والتفاوت الطبقي والحرمان والتفاوت الاجتماعي المذل، والتمييز المهين والتهميش، يولد الإحساس بالتمييز العرقي والطبقي معاً والانكفاء على الذات، ومن رحم ذلك تنجح جماعات الإسلام السياسي في استقطاب عدد من الشباب المسلم، في طريق بحثهم على نوع من الخلاص الوهمي، ولذلك فإن تشديد القوانين التي يتحدث عنه ماكرون لن يكون له سوى دور ثانوي إذا لم تعالج المسألة الاجتماعية والثقافية معا. ومن الواضح أن تجاهل المشكلات التي خلقها نظام الجشع الرأسمالي، هو من المشكلات العميقة المتجذرة والتي لا يمكن إخفاؤها، لأن الفقر والتمييز، هما أسوأ أشكال العنف، على حد تعبير غاندي.
* غاب عن خطاب السيد ماكرون أن الجيل الأول من المهاجرين العرب المسلمين قد اختفى من الوجود، ومن بقي منهم على قيد الحياة، فهو يعيش حالياً في عزلة تامة، يلفهم الصمت في الضواحي الفقيرة المزدحمة بالبؤس وتآكل الخدمات، والجيل الثاني والثالث من أبناء المهاجرين، وهم في الغالب مواطنون فرنسيون، أغلبهم تأكلهم البطالة والتهميش وينهشهم الفراغ وبؤس الأوضاع والتمييز في العمل. والتجمعات السكانية الفقيرة المهشمة والمعزولة تحولت إلى غيتوات في الضواحي، والتجمعات السكانية التي تأسست أصلاً لخدمة الاقتصاد الفرنسي في النصف الثاني من القرن العشرين، أصبحت اليوم أشبه بالأطلال، والصناعة الفرنسية الثقيلة كادت تختفي، وهاجرت إلى الصين وتايوان والبرازيل. وأبناء المهاجرين الذين لا يعرفون وطنا آخر غير فرنسا، وجدوا أنفسهم في التسلل: فرص التعليم والعمل تقلصت، وبات الاندماج شبه مستحيل، لغياب الجدية في المعالجة، وربما، لغياب النية أصلاً في دمج هؤلاء، خاصة لدى أوساط اليمين الذي يفضل أن يبقى العرب المسلمون -دون غيرهم - نبتاً شيطانياً غير قابل للاستزراع.
تذكرت قول أركون، وأنا أطالع خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي أعلن خلاله عن خطط لسنّ قوانين أكثر صرامة للتصدي لما سمّاه «الانعزال الإسلامي»، في إطار الدفاع عن القيم العلمانية (...) وذلك «وبحسب رأيه»، لأن أقلية من مسلمي فرنسا أصبحوا يمثلون خطر تشكيل «مجتمع مضاد».
هذا أهم ما جاء في الخطاب بخصوص المسلمين، وشخصياًُ لا ألوم الرئيس الفرنسي بشأن عزمه تعزيز البنية التشريعية لحماية بلده من أي تهديد، وذلك في إطار المقاربة الفرنسية للديمقراطية والمواطنة التي تقوم على التلازم بينهما، والاعتداد بالمواطن الفرد، وليس بالجماعات العرقية والإثنية، وهذه الفردانية جنبت فرنسا الاستقطاب المجتمعي والانقسام الديني والطائفي. ولكن مع ذلك، فإن السيد ماكرون قد تجاهل في خطابه الإشكالات الجوهرية وراء الانكفاء، واكتفى بتشخيص الأعراض من دون أسبابها، ومنها:
* إن الظاهرة التي شخص بعض مظاهرها، ترتبط بمشكلات عميقة بنيوية، ذات طابع اجتماعي-اقتصادي بالدرجة الأولى، إذ من رحم البؤس والتفاوت الطبقي والحرمان والتفاوت الاجتماعي المذل، والتمييز المهين والتهميش، يولد الإحساس بالتمييز العرقي والطبقي معاً والانكفاء على الذات، ومن رحم ذلك تنجح جماعات الإسلام السياسي في استقطاب عدد من الشباب المسلم، في طريق بحثهم على نوع من الخلاص الوهمي، ولذلك فإن تشديد القوانين التي يتحدث عنه ماكرون لن يكون له سوى دور ثانوي إذا لم تعالج المسألة الاجتماعية والثقافية معا. ومن الواضح أن تجاهل المشكلات التي خلقها نظام الجشع الرأسمالي، هو من المشكلات العميقة المتجذرة والتي لا يمكن إخفاؤها، لأن الفقر والتمييز، هما أسوأ أشكال العنف، على حد تعبير غاندي.
* غاب عن خطاب السيد ماكرون أن الجيل الأول من المهاجرين العرب المسلمين قد اختفى من الوجود، ومن بقي منهم على قيد الحياة، فهو يعيش حالياً في عزلة تامة، يلفهم الصمت في الضواحي الفقيرة المزدحمة بالبؤس وتآكل الخدمات، والجيل الثاني والثالث من أبناء المهاجرين، وهم في الغالب مواطنون فرنسيون، أغلبهم تأكلهم البطالة والتهميش وينهشهم الفراغ وبؤس الأوضاع والتمييز في العمل. والتجمعات السكانية الفقيرة المهشمة والمعزولة تحولت إلى غيتوات في الضواحي، والتجمعات السكانية التي تأسست أصلاً لخدمة الاقتصاد الفرنسي في النصف الثاني من القرن العشرين، أصبحت اليوم أشبه بالأطلال، والصناعة الفرنسية الثقيلة كادت تختفي، وهاجرت إلى الصين وتايوان والبرازيل. وأبناء المهاجرين الذين لا يعرفون وطنا آخر غير فرنسا، وجدوا أنفسهم في التسلل: فرص التعليم والعمل تقلصت، وبات الاندماج شبه مستحيل، لغياب الجدية في المعالجة، وربما، لغياب النية أصلاً في دمج هؤلاء، خاصة لدى أوساط اليمين الذي يفضل أن يبقى العرب المسلمون -دون غيرهم - نبتاً شيطانياً غير قابل للاستزراع.