قد نكون أكثر شعوب العالم ادعاء، على الرغم من فقرنا الفكري والعلمي والفني الشديد. ومن مظاهر هذا الادعاء الأجوف توزيع الألقاب العلمية والفكرية والفنية بلا حدود وبلا ضوابط: فهذا ملك الأغنية، وتلك إمبراطورية التمثيل وهذا جنرال المسرح وهذا معجزة العصر، إلى آخر سلسلة الادعاءات الجوفاء التي لا تتطابق مع الواقع في شيء. ولو أن الأمر توقف عند هذا الحد من الدعاية التسويقية لهان، ولكن المشكلة أنه قد تجاوز إلى وصف بعض الكتاب المبتدئين بالمفكرين والفلاسفة «هكذا!!»، فيقال: الفيلسوف الفلاني بكل بساطة وهو لا يميز بين كانت وديكارت ولم يمع بهيجل، ولا علم له بالمعلم الأول، ولا بالكندي وابن رشد.
وتنطبق هذه الحالة على الشويعر الذي لا يزال يتهجى الأبجدية بصعوبة بالغة، فيطلق عليه لقب الشاعر الكبير، وكذلك أمر الـ «كويتب» الذي لا يزال في مرحلة تعلم الإملاء، عندما يطلق عليه لقب الكاتب الكبير والروائي الفذ، دون أن ننسى إغداق لقب فيلسوف على عدد من الكتاب والباحثين، لمجرد اشتغالهم في حقل من المعرفة، ولكن المشتغل بالفلسفة والأكاديمي المتخصص فيها، لا يمكن أن يكون فيلسوفاً لمجرد أنه أصدر عدداً من الكتب والدراسات في هذا الحقل. فبعد الفارابي والكندي وابن رشد، لا نكاد نجد فيلسوفاً في سياق الحضارة العربية الإسلامية بطولها وعرضها، تنطبق عليه صفة الفيلسوف. والفرنسيون، بالرغم من تعدد أسماء المفكرين والباحثين في الفلسفة لديهم، يعتبر آخر فلاسفتهم المعتبرين: رينه ديكارت وهنري برغسون. وربما كان الألمان أكثر الشعوب إنتاجاً للفلاسفة الأكثر شهرة وتأثيراً، من أمثال كانط وهيجل ونيتشه وإنجلز وماركس وهابرماس. وقس على ذلك أغلب بلدان العالم المؤثرة. إذ إن هناك فرقاً كبيراً بين الاشتغال بالفلسفة «كأكاديمي - باحث - كاتب، قارئ»، وبين الفيلسوف، بما تعنيه الكلمة من معنى، لا يجب إهداره والاستهانة به.
صحيح أن لدينا عدداً مهماً من المفكرين والباحثين البارزين الذين أثروا في الفكر والثقافة والسياسة، من أمثال محمد عابد الجابري المثقف الذي نقل الفلسفة إلى قلب المعترك السياسي، والمفكر وعالم الاجتماع عبد الوهاب المسيري في رحلته الفكرية الطويلة التي أغنى بها المكتبة العربية، وكذلك المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري الذي أسهم بمشروعه الفكري في التنوير الفكري والسياسي.. وغير هؤلاء كثير. إضافة إلى العديد من الأكاديميين والباحثين المجتهدين المحترمين، الذين أسهموا في تشكيل الفكر العربي الحديث والمعاصر، إلا أننا لا يمكن أن نصفهم بالفلاسفة، ولا نجرؤ على نعتهم بذلك..
باختصار هذه الفوضى والاستهانة تؤشران إلى اتساع رقعة نظام التفاهة الذي من خصائصه إهدار اللغة، وسيطرة الادعياء السطحيين، والاستهانة بكل ما له قيمة في الحياة.
* همس:
هذا زمانك يا مهازل فامرحي
قد عُدّ كلب الصيد في الفرسان
«الشاعر السوداني محمد أحمد محجوب».
وتنطبق هذه الحالة على الشويعر الذي لا يزال يتهجى الأبجدية بصعوبة بالغة، فيطلق عليه لقب الشاعر الكبير، وكذلك أمر الـ «كويتب» الذي لا يزال في مرحلة تعلم الإملاء، عندما يطلق عليه لقب الكاتب الكبير والروائي الفذ، دون أن ننسى إغداق لقب فيلسوف على عدد من الكتاب والباحثين، لمجرد اشتغالهم في حقل من المعرفة، ولكن المشتغل بالفلسفة والأكاديمي المتخصص فيها، لا يمكن أن يكون فيلسوفاً لمجرد أنه أصدر عدداً من الكتب والدراسات في هذا الحقل. فبعد الفارابي والكندي وابن رشد، لا نكاد نجد فيلسوفاً في سياق الحضارة العربية الإسلامية بطولها وعرضها، تنطبق عليه صفة الفيلسوف. والفرنسيون، بالرغم من تعدد أسماء المفكرين والباحثين في الفلسفة لديهم، يعتبر آخر فلاسفتهم المعتبرين: رينه ديكارت وهنري برغسون. وربما كان الألمان أكثر الشعوب إنتاجاً للفلاسفة الأكثر شهرة وتأثيراً، من أمثال كانط وهيجل ونيتشه وإنجلز وماركس وهابرماس. وقس على ذلك أغلب بلدان العالم المؤثرة. إذ إن هناك فرقاً كبيراً بين الاشتغال بالفلسفة «كأكاديمي - باحث - كاتب، قارئ»، وبين الفيلسوف، بما تعنيه الكلمة من معنى، لا يجب إهداره والاستهانة به.
صحيح أن لدينا عدداً مهماً من المفكرين والباحثين البارزين الذين أثروا في الفكر والثقافة والسياسة، من أمثال محمد عابد الجابري المثقف الذي نقل الفلسفة إلى قلب المعترك السياسي، والمفكر وعالم الاجتماع عبد الوهاب المسيري في رحلته الفكرية الطويلة التي أغنى بها المكتبة العربية، وكذلك المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري الذي أسهم بمشروعه الفكري في التنوير الفكري والسياسي.. وغير هؤلاء كثير. إضافة إلى العديد من الأكاديميين والباحثين المجتهدين المحترمين، الذين أسهموا في تشكيل الفكر العربي الحديث والمعاصر، إلا أننا لا يمكن أن نصفهم بالفلاسفة، ولا نجرؤ على نعتهم بذلك..
باختصار هذه الفوضى والاستهانة تؤشران إلى اتساع رقعة نظام التفاهة الذي من خصائصه إهدار اللغة، وسيطرة الادعياء السطحيين، والاستهانة بكل ما له قيمة في الحياة.
* همس:
هذا زمانك يا مهازل فامرحي
قد عُدّ كلب الصيد في الفرسان
«الشاعر السوداني محمد أحمد محجوب».