هناك تساؤلات طرحها منطقي من قبل الناس بشأن انتقال البحرين على مؤشر «الإشارة الضوئية» الخاص بفيروس كورونا من «المؤشر الأخضر» إلى «المؤشر الأصفر»، خاصة وأننا في الأيام السابقة رأينا تناقص الأرقام بشكل إيجابي جداً جراء الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، وتحسنت الأوضاع المختلفة المعنية بتداعيات هذا الفيروس بشكل كبير جداً، ما جعل كثيراً يظنون بأننا سنواصل مرحلة «المؤشر الأخضر» بحيث تعود الحياة طبيعية كما كانت.
طبعاً الفريق الوطني شرح بالتفصيل الأسباب التي دفعت الحكومة باتخاذ هذه الخطوة، وهو قرار هدفه الأول والأخير «ضمان» سلامة الوطن وشعبه والمقيمين على أرض البحرين، وأظن بأن كثيرين مستوعبون لإيجابية هذه الخطوة، خاصة ممن أثر هذا الفيروس على حياتهم سواء بفقد أقرباء أو ممن أصيبوا به وعانوا من آثاره، وأيضاً ممن يخافون على سلامة أبنائهم وكبار السن في عوائلهم.
عموماً، بشأن هذه الخطوة لابد من إدراك وجود فروقات بشأن استراتيجية «إدارة الأزمات»، هي فروقات معنية بمراحل متأصلة في هذا «الفن الإداري»، وهنا الأزمة التي تدار هي الأزمة العالمية الكبرى التي تواجهنا على هذا الكوكب منذ قرابة عامين ونتجت عنها أضرار كبيرة وجسيمة في الأرواح والماديات.
البحرين في إدارتها للأزمة مرت بمراحل الاستراتيجية المعنية بالأزمات بشكل ممنهج، فالتعامل الاستباقي كان بمثابة الخطوة الأولى التي اتخذت لاستقبال الأزمة والتعامل معها بشكل صحيح ووفق خطة تقلل من أضرارها، وبعدها انتقلت البحرين لمرحلة التعامل مع الأزمة من خلال الفرق التي تشكلت والصفوف الأمامية بالأخص الكوادر الطبية وتوفير المتطلبات اللازمة وتذليل كثير من الخدمات والعمليات على الناس، وبعدها انتقلت البحرين لعملية معالجة تداعيات الأزمة خاصة وأننا رأينا خطورة هذا الفيروس وسرعة انتشاره وتحوره والتقلبات غير الثابتة في منحنيات الإصابة، وفي هذه المرحلة تمكنت البحرين من خلال الخطوات والإجراءات التي اتبعتها في تقليل عدد الإصابات والوفيات إلى أدنى المستويات مثلما نرى اليوم.
طيب، لماذا العودة للمؤشر الأصفر طالما أن الأمور تمضي بشكل مشجع جداً؟! هذا هو السؤال الذي يقود للحديث عن أحد أهم مراحل «إدارة الأزمات» والتي فيها تبرز عوامل هامة جداً على رأسها «الذكاء الإداري» وتجنب «تكرار السيناريوهات» و«ضمان استدامة النتائج الإيجابية»، وهنا أتحدث عن مرحلة «التحكم في الأزمة».
مهم إدراك الهدف من كل العمليات التي تتم، فالبحرين هدفها القضاء على الفيروس «نهائياً» بمعنى منع مزيد من الانتشار الخاص به، وهذه المسألة رأينا كيف تمت، وذلك من خلال تطبيق إجراءات معينة والالتزام بها إضافة لزيادة عدد المتطعمين باللقاحات والتي كانت أحد أهم أسباب تجنب الإصابة وتخفيف وطأتها لمن أصيب بها، وعليه فإن المرحلة القادمة التركيز فيها على زيادة نسبة «الحصانة المجتمعية» من خلال تطعيم أكثر عدد ممكن من الأشخاص سواء باستكمال جرعتي اللقاح أو أخذ الجرعة المنشطة، إضافة لأهمية الاستمرار في توخي الحيطة والحذر وهذا ما يجعل أخذ التدابير بشكل مكثف أمراً أساسياً خاصة مع وجود مناسبات قادمة هي فرصة لعودة التجمعات البشرية الكبيرة، وبالتالي التجربة التي طبقت خلال أيام العيد الماضي أثبتت نجاحها، وعليه البناء عليها أمر ذكي جداً.
هي مسألة صبر وتحمل وقتي بإذن الله، إذ الاستمرار على المؤشر الأخضر ممكن، لكن ضمان «التحكم في الأزمة» يقتضي عدم التسليم تماماً بثبات الإجراءات الحالية، بل يفرض وضع تصور لسيناريوهات أصعب في حال التعامل مع الأزمة على أنها أمر «انتهى» للأبد.
في النهاية لابد من استيعاب حقيقة هامة، إذ متى يدرك الإنسان بأن كل شيء يرخص ويهون ويمكن تعويضه أو يمكن الانتظار عليه لمدة أكثر؟! يدرك ذلك حينما تكون الخسارة هي خسارة صحته وهذا ما يعني خسارة حياته التي يعيشها مرة واحدة فقط.