لم نعد نجد خلال السنوات الأخيرة سوى مساهمات قليلة وغير منتظمة، لأبرز المثقفين العرب في الصحافة اليومية. ولا نقصد هنا الإنتاج الإبداعي والأكاديمي التخصصي الذي لا ينقطع، ويبقى حبيس الفضاء الأكاديمي، وإنما نقصد الإسهام الفكري في مناقشة الشأن العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي اليومي، من خلال الصحافة بكافة أشكالها، من أجل التنوير والتأثير، ليتحول ذلك إلى قوة اقتراح، لا تقل أهميتها عن دور الجمعيات والأحزاب السياسية.
فأسماء كبيرة تتوارى اليوم عن الساحة الصحفية، كما أن الصحافة نفسها باتت تتجاهلها، ولا ترغب في فتح هذا الباب الذي قد يأتي منه «الريح». ولذلك لا تسعى إلى استقطابها، لأسباب بعضها يعود إلى الحساسيات والحسابات، التي لا علاقة لها بالفكر أو الثقافة، مما أدى إلى حرمان المجتمع من الدور الفاعل للفكر المستنير، ومن الخبرات الكبيرة في كافة المجالات، في ظل الاتساع الهائل والمخيف لمساحات الكتابة الصحفية الهزيلة والسطحية التي أسهمت خلال السنوات الماضية وبشكل سلبي في التأسيس لثقافة البذاءة، بدلاً من ثقافة التحليل، والتخوين بدلاً من التنوير، والتعصب، بدلاً من التسامح.
فإذا كان هذا الغياب عائداً إلى امتناع أو «تعفف» أو ترفع أكاديمي، فإنه من غير المقبول أن يستمر، في ظل مرحلة يتصدى فيها المشهد محدودو التكوين الفكري والسياسي، ويتوارى المثقفون عن الأنظار، أو ينأون بأنفسهم عن «ورطة المشاركة»، مفضلين الاحتماء بالأبراج الأكاديمية، والابتعاد عن مشاغل الناس، في الوقت الذي يفترض بالمثقف عندما يتوصل إلى فكرة أو خلاصة رأي أو حل لمعظلة تتعلق بالواقع وتحولاته، أن يسارع إلى إيصالها إلى عموم الناس، من خلال سبل التواصل الأسرع تأثيراً، وأن يدفع ضريبة اقترابه من الناس، وإلا بقي تمثالاً في متحف أكاديمي، أو مجرد واجهة رسمية لامعة. فإذا لم تصل الأفكار إلى الناس وتتفاعل مع واقعهم، فلن يكون هنالك أي تطور، بل وسيظل المثقفون، منعزلين غير فاعلين ومتعالين عن المجتمع.
إن مثل هذه الدعوة، لا تنطلق من التصور بأن المفكرين يغيرون التاريخ، لأنه تصور تجاوزه الزمن، ولكنها دعوة إلى استنهاض قوى العقل والتنوير لمواجهة قوى الجهالة والسطحية. فالتاريخ يتغير عندما تتحول الأفكار إلى قوى مجتمعية وسياسية فاعلة، وهذا أمر يقتضي أن يتصدى المثقفون لتوجيه الرأي العام، لا المهرجون في الأرض، وما أكثرهم.
همس
«إن الإنسان الجدير بأن يُصغى إليه، هو ذاك الذي لا يستخدم الكلام إلا من أجل التفكير، ولا يستخدم الفكرة إلاّ من أجل الحقيقة والفضيلة، أما الذين يستخدمون اللغة لإشعال الحرائق، فإنهم جزء من آلة الشر». «فرانز فانون».
فأسماء كبيرة تتوارى اليوم عن الساحة الصحفية، كما أن الصحافة نفسها باتت تتجاهلها، ولا ترغب في فتح هذا الباب الذي قد يأتي منه «الريح». ولذلك لا تسعى إلى استقطابها، لأسباب بعضها يعود إلى الحساسيات والحسابات، التي لا علاقة لها بالفكر أو الثقافة، مما أدى إلى حرمان المجتمع من الدور الفاعل للفكر المستنير، ومن الخبرات الكبيرة في كافة المجالات، في ظل الاتساع الهائل والمخيف لمساحات الكتابة الصحفية الهزيلة والسطحية التي أسهمت خلال السنوات الماضية وبشكل سلبي في التأسيس لثقافة البذاءة، بدلاً من ثقافة التحليل، والتخوين بدلاً من التنوير، والتعصب، بدلاً من التسامح.
فإذا كان هذا الغياب عائداً إلى امتناع أو «تعفف» أو ترفع أكاديمي، فإنه من غير المقبول أن يستمر، في ظل مرحلة يتصدى فيها المشهد محدودو التكوين الفكري والسياسي، ويتوارى المثقفون عن الأنظار، أو ينأون بأنفسهم عن «ورطة المشاركة»، مفضلين الاحتماء بالأبراج الأكاديمية، والابتعاد عن مشاغل الناس، في الوقت الذي يفترض بالمثقف عندما يتوصل إلى فكرة أو خلاصة رأي أو حل لمعظلة تتعلق بالواقع وتحولاته، أن يسارع إلى إيصالها إلى عموم الناس، من خلال سبل التواصل الأسرع تأثيراً، وأن يدفع ضريبة اقترابه من الناس، وإلا بقي تمثالاً في متحف أكاديمي، أو مجرد واجهة رسمية لامعة. فإذا لم تصل الأفكار إلى الناس وتتفاعل مع واقعهم، فلن يكون هنالك أي تطور، بل وسيظل المثقفون، منعزلين غير فاعلين ومتعالين عن المجتمع.
إن مثل هذه الدعوة، لا تنطلق من التصور بأن المفكرين يغيرون التاريخ، لأنه تصور تجاوزه الزمن، ولكنها دعوة إلى استنهاض قوى العقل والتنوير لمواجهة قوى الجهالة والسطحية. فالتاريخ يتغير عندما تتحول الأفكار إلى قوى مجتمعية وسياسية فاعلة، وهذا أمر يقتضي أن يتصدى المثقفون لتوجيه الرأي العام، لا المهرجون في الأرض، وما أكثرهم.
همس
«إن الإنسان الجدير بأن يُصغى إليه، هو ذاك الذي لا يستخدم الكلام إلا من أجل التفكير، ولا يستخدم الفكرة إلاّ من أجل الحقيقة والفضيلة، أما الذين يستخدمون اللغة لإشعال الحرائق، فإنهم جزء من آلة الشر». «فرانز فانون».