تقوم دول العالم هذه الأيام بتخفيف القيود التي فرضتها في مواجهة الجائحة بشكل تنازلي، فبعد الموجات المتعدّدة للفيروس والتي وصلنا «لآخرها» حسب أقوال الخبراء، يُقبل الأفراد إلى التحرّر من القيود التي فرضها عليهم الفيروس بعد عامين من الوحدة والعزلة، فكثيرون بدؤوا بطرح تساؤل منطقي «هل مازلت أملك مهاراتي الاجتماعية أم أنها أصبحت متواضعة بعد عملية التباعد الاجتماعي والحجر وفترات الإغلاق الطويلة، هل مازلت محتفّظاً بصداقاتي القديمة أم أن علاقاتي أصبحت هشّة وأصبح الصديق الإلكتروني أو الافتراضي هو الأقرب لنفسي؟».

كثيرةٌ هي التساؤلات التي يبدأ الفرد بطرحها على نفسه عن ماهية الحياة ما بعد الجائحة، وكأنه قضى عمره كله في ضيق الجائحة وليس فقط سنتين من عمره والتي أدت إلى هذا التغير السلوكي المفاجئ خلال عملية التباعد والحجر والإغلاق، فبعض العلاقات الاجتماعية التي حاول أصحابها إنكار الجائحة في بدايتها وأصروا على عملية التواصل، اضطروا للتراجع بعد أن أصيبوا أو بعد أن فقدوا أحد الأقارب حتى يشعروا بخطورة الوضع، وهناك علاقات أخرى والتي انقطعت جراء الجائحة أو صارت بعيدة وتفضّل الانعزال ويقتصر تواصلها على الضروريات القصوى، كتبادل المنافع أية مشاعر عاطفية أو اجتماعية، وأثبتت الكثير من الدراسات أن أغلب العلاقات العادية تحولت إلى علاقات إلكترونية، لاسيما في عمليات الشراء والتسوّق فلم يعد الفرد لديه أي تواصل مع صاحب السوبرماركت أو محل الفاكهة الذي كان جزءاً من تواصله المجتمعي اليومي.

ومع تحوّل هذه العلاقات الاجتماعية المباشرة إلى عملية تواصل إلكتروني في مجملها تحوّلت هذه العلاقات من علاقة مليئة بالودّ والامتنان إلى علاقة جافّة مبنيّة على المصلحة والمنافع المتبادلة، وهذا ما لحظناه بشكل أساسي في عملية التعليم عن بعد والذي أصبح يشتكي منه أهالي الطلاب والمعلمون والجهاز الإداري.

فبدل ساحات المدارس وأوقات الفسح وملاعب الفريج أصبح الأطفال يبنون علاقاتهم الاجتماعية في ميادين الألعاب الإلكترونية التي انتشرت بكثافة، بل وأصبحت أرضاً خصبة للتعارف واللقاء وبناء العلاقات الاجتماعية.

في أوقات ما قبل الجائحة كانت المجتمعات العربية تتجه ببطء شديد نحو الفردانية والتفكك المجتمعي على مستوى الأفراد والعائلات في تقليد أعمى للنموذج الغربي من الاستقلال والحرية المزعومة، ولذلك أتت هذه الجائحة لتعطينا تصوّراً عشناه عن معنى العيش بفردانية وسلبياته على التكوين المجتمعي الفريد من نوعه لمجتمعاتنا ومحاولة تدارك القيم الاجتماعية الإيجابية وتحسين بعض الممارسات السلبية حتى نحافظ على ترابط المجتمعات التي تعتبر الداعم الأساسي للصحة النفسية والتي يُعوّل عليها في استمرار البيئة الإيجابية للمجتمعات.