ثامر طيفور

لا يمكن أن تكتمل رحلات الغوص لصيد اللؤلؤ في مياه الخليج العربي دون أن يرافقها "النهّام"، بل وكان يتحرى أهل الغوص في البحرين ذلك الصوت الشجي الرنان الذي يتعين أن يكون ركنا أساسيا في رحلتهم، والتي تمتد في العادة قرابة الأربعة أشهر.

يتساءل كثيرون، سيما من أبناء هذا العصر، ما حاجة "سفن" غوص لا تضم سوى بحَّارة متخصصين إلى "نهّام" يطربهم ليل نهار، وما الدور الذي يمكن أن يوكل لفرد لا يملك سوى طبقة صوت تتسم بالثقل والأصالة والرصانة معا، وهم يذهبون بعيدا إلى أعماق مناطق صيد اللؤلؤ "الهيرات".

بدت الحاجة للاستعانة بـ "النهّام" وصوته الرخيم كأنيس يشد من أزر أهل الغوص وعضدهم في أيامهم الموحشة، حيث كانوا يتركون ذويهم أياما وليالي ليخوضوا وحدهم دون معين أهوال البحر وأخطاره، ويتقوون به على عمل مضنٍ يضطرون فيه لمنازلة قيعان البحار بمعدات بسيطة بدائية لجمع المحار.

لكن الحاجة الأكبر لـ "النهّام" تمثلت في هذه القدرة العجيبة التي كان يمتلكها المميزون منهم لحشد العاملين على متن سفن الغوص وبث الحماس فيهم وشحذ هممهم، وذلك لبذل مزيد من الجهد وأداء مهام العمل الجماعية الجسيمة المطلوبة منهم على ظهر السفن.

ما يصدح به " النهّامون" عندما تجود بها قريحتهم من مواويل أو زهيريات، تبدأ في العادة بذكر الله عز وجل والصلاة على النبي في دعاء روحاني ندر أن يوجد مثله في الفنون الشعبية الأخرى، طلبا للعون من الله سبحانه على رحلة الغوص الشاقة، آملين أن تكلل هذه الرحلة بوفرة الصيد التي يعتمدون عليه في كسب رزقهم ومعيشتهم والعودة الآمنة للأهل والأحباب بعد طول الغياب.

النهمة لا تحفز البحارة فحسب، وتعينهم على قضاء الوقت وأداء العمل، وإنما تدفعهم دفعا إلى السماء في حالة وجدانية رائعة، إذ تدب في أوصالهم العزيمة وروح الأخوة والمودة التي يتغلبون بها على مصاعب أيامهم ومشاعر الشوق إلى الأهل والأولاد وهم في غياهب البحر بحثا عن الرزق ولقمة العيش.