بقلم: د. حبيب النامليتي




قال تعالى:«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا «1» فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا «2» وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا «3» وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْـرًا «4» ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا «5»». «الطلاق».

نظمت الشـريعة الإسلامية العلاقات الأسرية تنظيما دقيقا؛ بداية من الزواج ومقدماته في اختيار الزوجين والحقوق والواجبات المترتبة على العلاقة الزوجية، والتي مبناها على الإحسان والمعروف وحفظ الود والمحبة والاستقرار؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «اتَّقوا اللهَ في النساءِ؛ فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانةِ الله، واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ الله»، أي: خافوا التقصير في حقهن؛ فإن الزواج كان بعهد الله وبإيجاب وقبول.

فالزواج ميثاق وبناء متين، وقد يتعرض هذا البناء لهزات عنيفة، وتتعرض هذه العلاقة لعقبات صعبة؛ يقول الله تعالى فيه هذه الآيات: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ» لتؤكد على التريث في اتخاذ قرار الطلاق، وفسح المجال للتفكر في مثل هذا الأمر، ولا يسارع فيه حتى لا يندم ندامة لا يمكنه استدراكها؛ إذ إن تفكك الأسرة ينقض عرى التلاحم في المجتمع، ويضيع الأبناء في حالات كثيرة، وقد نجد بعض الأزواج يسارع في الطلاق عند أدنى سبب ومع أول مشكلة، وهذا لا ينبغي، ويترتب عليه ضرر بالغ؛ فالطلاق قبل أن يُقدَم عليه لا بدّ أن يُسبق بمراحل من الإصلاح والتوجيه، فإذا بلغ الأمر مبلغه إما أن يمسك الزوجة بالمعروف يحفظها ويعرف قدرها، أو يطلق بالمعروف «أيّ يحل هذه الرابطة»، وذلك عندما يصبح بقاء النكاح ضررًا خالصًا، مع أن هذا فيه كسـر وإنهاء للعلاقة، لكن لا يعني أن يكون بشدة وعنف كما يتوهم البعض، أو يمارس عملياً.

وقد فرق العلماء بين طلاق السنة والبدعة، فطلاق السنة أن يطلقها طاهرة؛ أي: في طهر لم يجامعها فيه، أو حاملاً قد ظهر حملها، وطلاق البدعة أن يطلقها في حال الحيض، أو في طهر قد جامعها فيه، ولا يدري أحملت أم لا، وقد أمر الله بإحصاء العدة؛ أي: احفظوها واعرفوا بدايتها ونهايتها، لتعلموا وقت الرجعة إن أردتم المراجعة، حتى لا يكون لمن يريد الظلم أن يتلاعب فيها.

وقد أمرت الشـريعة ببقاء المرأة في بيتها، وذلك لأنك لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، إن أبقيت المطلقة في بيت الزوج، لعل ما في نفس الرجل أن يزول فيرجع زوجه بسهولة وحسن تعامل، أو ترضى المرأة بما عليه من خلق، ووضع مادي، فتعود لحمة الأسرة قوية متماسكة.

ولم تقتصـر الحقوق على ذلك، بل رتبت على العلاقة لما بعد الفراق بين الزوجين، من طلاق أو وفاة، فإن المرأة تعتد، والعدة التي تتربص فيها لا تتزوج، وإذا كانت في طلاق رجعي جاز لزوجها أن يراجعها. والمرأة المعتدة لها أحوال:

1- إن كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل.

2- إن كانت غير حامل فعدتها ثلاثة قروء، وهي الأطهار أو الحِيَّض.

نسأل الله أن يؤلف بين قلوب الزوجين، وأن يبعد عنهم أسباب الخلاف والشقاق.