سماهر سيف اليزل
«الأبوة المفرطة» سلوكٌ غير سويّ ونفسية متذبذة
الخوف والاهتمام المفرطان لا يعودان بنتائج إيجابية
أكد أخصائيون في علم النفس أن الأفعال الصادرة بدافع الحُب؛ ليست دائماً صحية ومفيدة للطفل، خاصة وإن كانت صادرة من الآباء.
وأشاروا إلى أن المطاردة، والمراقبة، والسيطرة تقع تحت بند تلك الأفعال التي كثيراً ما يُعتقد أن دافعها هو حب الشخص المُراقب والخوف عليه من الأضرار التي قد يتعرض لها إذا غاب عن أعين من يحبونه في لحظة، وهو ما يسمى «الآباء الهيلكوبتر» أو «التربية الهليكوبتر»، موضحين أن هذا التشبيه ليس مبالغاً فيه فقد رسخ علم النفس هذا الوصف للآباء الذين لا يمنحون أطفالهم أي مساحة للتصرف أو التنفس بحرية، ويتحولون إلى إزعاج مستمر لهذا الطفل، والذي يكون له مع الوقت تأثير سلبي على شخصية الأطفال ونفسيتهم.
وبينوا أنه وبحسب علم النفس، فإن الأفضل لصحة طفلك النفسية والجسدية هي أن تجعله يدرك عواقب أفعاله، وأن تدرك أنت شخصياً أنك لا تملك القدرة على التحكم في كل أفعال طفلك، ولكن يمكنك فقط أن تتحكم في رد فعلك على تصرفاتهم، داعين إلى «معرفة مواطن قوة شخصيتهم وساعدهم على صقلها، واسمح لهم بارتكاب الأخطاء وشاهدهم من بعيد وهم يحاولون إصلاحها، وهذا الأمر لن يكون مفيداً لطفلك فقط، بل سيكون مفيداً لك أيضاً؛ فستجد نفسك أكثر هدوءاً وأكثر سعادة».
وقالت محاضر علم نفس متعاون في كلية العلوم الصحية والرياضية بجامعة البحرين د.سهانا مترا بأن الآباء يتشابهون في كافة محافل الكرة الأرضية في قلقهم والمخاوف التي تراودهم على أطفالهم، والتي أصبحت جوهر الأبوة والأمومة. وعلى الرغم من ذلك، يتواجد بعض من الآباء والأمهات الذين يقررون بوعي إبقاء مخاوفهم منفصلة والسماح للطفل بأن يكون صانع القرار ويتخذون دور تيسير وتنظيم احتياجات الطفل «دوراً مساعداً ومسانداً».
ومن ناحية أخرى، قد يتخذ بعض ـولياء الأمور منحنى مختلفاً في التربية، فيأخذون دوراً أساسياً لاعتقادهم أن الطفل يحتاج إلى التوجيه المستمر في كل خطوة ولا يمتلكون الثقة في قدرة الطفل على عملية صنع القرار. ويكون هذا النوع من النظرة التربوية أحد مقومات التربية بالهليكوبتر، حيث يراقب الوالدان الطفل بشكل مفرط يصل إلى مرحلة الأبوة أو الأمومة المُغدقة الخانقة لتطور ونمو الطفل.
وأضافت، يظهر الفرق بين النوعين من خلال المثالين الآتيين:
المثال الأول: ««ولي أمر لا يسمح لابنه البالغ من العمر 9 سنوات باللحاق بالحافلة إلى المدرسة بمفرده ويساوره القلق الشديد والخوف من سلامة الطفل وتمكنه من أداء هذه المهمة لوحده بدون تدخل من ولى الأمر، ويضايق المدرسة باستمرار للتأكد من أن طفله يتم الاعتناء به، ويهرع إلى المدرسة لتسليم أشياء مثل وجبات الغداء أو المهام المنسية، وتعتقد هذه الفئة من الآباء أن طفلهم يستحق المكافأة بغض النظر عن الجهد المبذول «نظام الهليكوبتر للتربية»، المثال الثاني: «يسمح ولي الأمر لابنته البالغة من العمر 10 سنوات باتخاذ قرارها الخاص بشأن اختيار الملابس التي ترغب في شرائها، وتنظيم لقاءات أصدقائها، والسماح لها بالتعامل وحل حالات الصراع مع أقرانها في المدرسة لوحدها أولاً بدلاً من التدخل السريع لحل الموقف كولي أمر، كما أنهم يمتلكون اعتقاداً راسخاً باستحقاق المكافأة حيث يجب مكافأة الطفل عندما يظهر سلوكاً مستقلاً في التخطيط لمهمة أو مواجهة موقف».
وأردفت: «يتوجب البدء بالقول إنه لا يوجد أي ضرر أو مانع من اتخاذ نظام الهليكوبتر للتربية في المراحل الأولى من الطفولة (1-8 سنوات) عندما يكون هذا مناسباً من ناحية نمائية، حيث يفضل تقديم الدعم للطفل حتى يفهم البيئة ويتكيف معها جيداً، لكن يصبح من المهم للغاية -خصوصاً مع تقدم عمر الطفل- أن يسحب الوالدان سلطتهم في صناعة القرار تدريجياً ووضعها في يد الطفل».
وأكد أن اتخاذ هذا القرار وتطبيقه في نظام تربيتك لأطفالك لا يعنى «عدم وجودك» للطفل أو إهمالك له، إنما يعني «السماح للطفل بالإيمان بنفسه» بينما تتخذ دور الإرشاد والدعم، حيث إن اتخاذ هذا الدور سينمى التفكير الإبداعي لدى طفلك، وتعزيز ثقته في قراراته وارتباطاته الاجتماعية ويغرس فيهم الشعور بالتوافق الفكري والعاطفي وينمى الاستقلال السليم، حيث إن تبنيك لنظام الهليكوبتر التربوي وعدم أخذك دور الموجه والداعم -خصوصاً في السن المناسب للطفل الناشئ- يضع طفلك في خطر الكثير من الآثار السلبية مثل تضعضع أو انعدام احترام الذات، وعدم القدرة على أخذ دور القيادة وانخفاض الكفاءة في التعامل مع المخاطر والمخاوف.
من جانبها قالت أخصائية التحليل النفسي والمحاضرة بكلية العلوم الصحية والرياضية - جامعة البحرين فاطمة علي، إن الأمر متروك للوالدين لتحديد نوع التربية التي يطبقانها، ولكن وجب التنويه أن هناك فرقاً شاسعاً بين السيطرة والتسيير التربوي وبين التوجيه والدعم، ولذلك، في حين أن كون ولي الأمر مراعياً ومهتماً لطفله هو خط الأساس في تربية الهليكوبتر، يجب عليك اتخاذ خيار واعٍ لتجنب كونك والداً مفرطاً في الرعاية معيقاً لنمو طفلك الكلي.
وبشأن التغيير ليكون الوالدين مرشدين بدلاً من مسيطرين، أوضحت علي أنه من خلال اتخاذ القرار الواعي بالتغيير يمكن تطبيق وتوسيع صلاحية طفلك في اتخاذ القرارات، ويمكن تطبيق هذا النظام من خلال محاورة طفلك والأخذ برأيه في أبسط الأمور، وجعل دور فعال له في تطبيقها، وإعطاء فرصة لطفلك بالمشاركة اللفظية والتعبير عن مشاعره في أثناء وبعد اتخاذ القرارات، لا تستصغر أو تسخر من رأي الطفل، حتى لو وجدته ناقصاً وغير صحيح.. ساعده في توجيه وتوسيع بؤرته، ابدأ بالأمور البسيطة كالمأكل والمشرب واللبس أو حتى تحديد مكان الوجهات للنزهة، شجع طفلك على وضع خطط للمناسبات التي تعد لها واسأل عن آرائهم، عند قيام طفلك بخطأ، لا تقيمه إنما حاوره ووجِّهه لما هو صحيح «حاوره بأسلوب مبسط عن أفضل السبل لتصحيح ما تم أو تجنبه في المستقبل».
{{ article.visit_count }}
«الأبوة المفرطة» سلوكٌ غير سويّ ونفسية متذبذة
الخوف والاهتمام المفرطان لا يعودان بنتائج إيجابية
أكد أخصائيون في علم النفس أن الأفعال الصادرة بدافع الحُب؛ ليست دائماً صحية ومفيدة للطفل، خاصة وإن كانت صادرة من الآباء.
وأشاروا إلى أن المطاردة، والمراقبة، والسيطرة تقع تحت بند تلك الأفعال التي كثيراً ما يُعتقد أن دافعها هو حب الشخص المُراقب والخوف عليه من الأضرار التي قد يتعرض لها إذا غاب عن أعين من يحبونه في لحظة، وهو ما يسمى «الآباء الهيلكوبتر» أو «التربية الهليكوبتر»، موضحين أن هذا التشبيه ليس مبالغاً فيه فقد رسخ علم النفس هذا الوصف للآباء الذين لا يمنحون أطفالهم أي مساحة للتصرف أو التنفس بحرية، ويتحولون إلى إزعاج مستمر لهذا الطفل، والذي يكون له مع الوقت تأثير سلبي على شخصية الأطفال ونفسيتهم.
وبينوا أنه وبحسب علم النفس، فإن الأفضل لصحة طفلك النفسية والجسدية هي أن تجعله يدرك عواقب أفعاله، وأن تدرك أنت شخصياً أنك لا تملك القدرة على التحكم في كل أفعال طفلك، ولكن يمكنك فقط أن تتحكم في رد فعلك على تصرفاتهم، داعين إلى «معرفة مواطن قوة شخصيتهم وساعدهم على صقلها، واسمح لهم بارتكاب الأخطاء وشاهدهم من بعيد وهم يحاولون إصلاحها، وهذا الأمر لن يكون مفيداً لطفلك فقط، بل سيكون مفيداً لك أيضاً؛ فستجد نفسك أكثر هدوءاً وأكثر سعادة».
وقالت محاضر علم نفس متعاون في كلية العلوم الصحية والرياضية بجامعة البحرين د.سهانا مترا بأن الآباء يتشابهون في كافة محافل الكرة الأرضية في قلقهم والمخاوف التي تراودهم على أطفالهم، والتي أصبحت جوهر الأبوة والأمومة. وعلى الرغم من ذلك، يتواجد بعض من الآباء والأمهات الذين يقررون بوعي إبقاء مخاوفهم منفصلة والسماح للطفل بأن يكون صانع القرار ويتخذون دور تيسير وتنظيم احتياجات الطفل «دوراً مساعداً ومسانداً».
ومن ناحية أخرى، قد يتخذ بعض ـولياء الأمور منحنى مختلفاً في التربية، فيأخذون دوراً أساسياً لاعتقادهم أن الطفل يحتاج إلى التوجيه المستمر في كل خطوة ولا يمتلكون الثقة في قدرة الطفل على عملية صنع القرار. ويكون هذا النوع من النظرة التربوية أحد مقومات التربية بالهليكوبتر، حيث يراقب الوالدان الطفل بشكل مفرط يصل إلى مرحلة الأبوة أو الأمومة المُغدقة الخانقة لتطور ونمو الطفل.
وأضافت، يظهر الفرق بين النوعين من خلال المثالين الآتيين:
المثال الأول: ««ولي أمر لا يسمح لابنه البالغ من العمر 9 سنوات باللحاق بالحافلة إلى المدرسة بمفرده ويساوره القلق الشديد والخوف من سلامة الطفل وتمكنه من أداء هذه المهمة لوحده بدون تدخل من ولى الأمر، ويضايق المدرسة باستمرار للتأكد من أن طفله يتم الاعتناء به، ويهرع إلى المدرسة لتسليم أشياء مثل وجبات الغداء أو المهام المنسية، وتعتقد هذه الفئة من الآباء أن طفلهم يستحق المكافأة بغض النظر عن الجهد المبذول «نظام الهليكوبتر للتربية»، المثال الثاني: «يسمح ولي الأمر لابنته البالغة من العمر 10 سنوات باتخاذ قرارها الخاص بشأن اختيار الملابس التي ترغب في شرائها، وتنظيم لقاءات أصدقائها، والسماح لها بالتعامل وحل حالات الصراع مع أقرانها في المدرسة لوحدها أولاً بدلاً من التدخل السريع لحل الموقف كولي أمر، كما أنهم يمتلكون اعتقاداً راسخاً باستحقاق المكافأة حيث يجب مكافأة الطفل عندما يظهر سلوكاً مستقلاً في التخطيط لمهمة أو مواجهة موقف».
وأردفت: «يتوجب البدء بالقول إنه لا يوجد أي ضرر أو مانع من اتخاذ نظام الهليكوبتر للتربية في المراحل الأولى من الطفولة (1-8 سنوات) عندما يكون هذا مناسباً من ناحية نمائية، حيث يفضل تقديم الدعم للطفل حتى يفهم البيئة ويتكيف معها جيداً، لكن يصبح من المهم للغاية -خصوصاً مع تقدم عمر الطفل- أن يسحب الوالدان سلطتهم في صناعة القرار تدريجياً ووضعها في يد الطفل».
وأكد أن اتخاذ هذا القرار وتطبيقه في نظام تربيتك لأطفالك لا يعنى «عدم وجودك» للطفل أو إهمالك له، إنما يعني «السماح للطفل بالإيمان بنفسه» بينما تتخذ دور الإرشاد والدعم، حيث إن اتخاذ هذا الدور سينمى التفكير الإبداعي لدى طفلك، وتعزيز ثقته في قراراته وارتباطاته الاجتماعية ويغرس فيهم الشعور بالتوافق الفكري والعاطفي وينمى الاستقلال السليم، حيث إن تبنيك لنظام الهليكوبتر التربوي وعدم أخذك دور الموجه والداعم -خصوصاً في السن المناسب للطفل الناشئ- يضع طفلك في خطر الكثير من الآثار السلبية مثل تضعضع أو انعدام احترام الذات، وعدم القدرة على أخذ دور القيادة وانخفاض الكفاءة في التعامل مع المخاطر والمخاوف.
من جانبها قالت أخصائية التحليل النفسي والمحاضرة بكلية العلوم الصحية والرياضية - جامعة البحرين فاطمة علي، إن الأمر متروك للوالدين لتحديد نوع التربية التي يطبقانها، ولكن وجب التنويه أن هناك فرقاً شاسعاً بين السيطرة والتسيير التربوي وبين التوجيه والدعم، ولذلك، في حين أن كون ولي الأمر مراعياً ومهتماً لطفله هو خط الأساس في تربية الهليكوبتر، يجب عليك اتخاذ خيار واعٍ لتجنب كونك والداً مفرطاً في الرعاية معيقاً لنمو طفلك الكلي.
وبشأن التغيير ليكون الوالدين مرشدين بدلاً من مسيطرين، أوضحت علي أنه من خلال اتخاذ القرار الواعي بالتغيير يمكن تطبيق وتوسيع صلاحية طفلك في اتخاذ القرارات، ويمكن تطبيق هذا النظام من خلال محاورة طفلك والأخذ برأيه في أبسط الأمور، وجعل دور فعال له في تطبيقها، وإعطاء فرصة لطفلك بالمشاركة اللفظية والتعبير عن مشاعره في أثناء وبعد اتخاذ القرارات، لا تستصغر أو تسخر من رأي الطفل، حتى لو وجدته ناقصاً وغير صحيح.. ساعده في توجيه وتوسيع بؤرته، ابدأ بالأمور البسيطة كالمأكل والمشرب واللبس أو حتى تحديد مكان الوجهات للنزهة، شجع طفلك على وضع خطط للمناسبات التي تعد لها واسأل عن آرائهم، عند قيام طفلك بخطأ، لا تقيمه إنما حاوره ووجِّهه لما هو صحيح «حاوره بأسلوب مبسط عن أفضل السبل لتصحيح ما تم أو تجنبه في المستقبل».