أميرة صليبيخ
كنت قد شرعت منذ أيام في قراءة رواية «حليب أسود» للتركية أليف شفق وكعادتها تضّج رواياتها بجمال السرد وبلاغة الوصف، فتتذوق النص على مهل أكثر من مرة مستطعماً نكهة الدهشة والمرارة في آن واحد. في «حليب أسود» وهو سيرة ذاتية للكاتبة، تتحدث أليف عن معاناتها مع اكتئاب ما بعد الولادة التي جعلتها تشعر بأن الحليب البائت في صدرها قد تحول إلى حليب أسود يحمل جميع ما تشعر به من آلام نفسية.
رحت أفكر في هذا السواد الذي تلبّس الكاتبة وكيف تعاملت معه بمرور الوقت.. هذا السواد ليس مربوطاً بحالة معينة فقط كالولادة أو الطلاق أو غيرها.. السواد يتخذ أشكالاً عدة ويتنكر تحت مسميات مختلفة عديدة. جميعنا نشعر به. ليست الأم فقط التي تعتريها مشاعر داكنة بعد الولادة.. قد نشعر -نحن العالقون في هذه الحياة - بمشاعر ذات درجات أكثر سواداً وتفحماً. جميعنا مثل أليف.. نحمل في صدورنا هموماً لا يمكن أن نُلقي بها خارج أجسادنا.. فتتحول بمرور الوقت إلى دم أسود قاني يلوّن عروقنا وأفكارنا ويقضّ مضاجعنا ليلاً ويحرمنا القدرة على أن نعيش بخفة.
نحن الآدميون عبارة عن كتلة كبيرة من المشاعر.. مزيج عجيب غريب من الألم والفرح والإحباط والغضب والألم والضياع، والتعاسة والإرهاق والملل.. درجات متعددة من كل شعور تختلف مع مرور الدقائق. نحن الثيرمومتر الحساس أسرى المشاعر المتذبذبة لكن الخبر السار هو أننا قادرون على تجاوز هذه التقلبات بيسر. فكل شعور سلبي أنت قادر على ترويضه إن عرفت كيف يعمل عقلك. فكل شعور أسود بداخلك هو حمض يسري في دمك.. يحرقك دون هوادة أو رحمة.. يجعل دمك ملوثاً يدمر كل ما يلمسه.. لذا سأعلمك بعض التقنيات لئلا تكون ضحية مشاعرك، وتعرف جيداً كيف تخفف وطأتها على صحتك النفسية والعقلية والجسدية.
الشعور السلبي جمرة في الوريد عليك أن تطفئها بالوضوء بالماء البارد. حرر طاقتك السلبية المتراكمة في عروقك من خلال المشي أو الجري أو أي رياضة أخرى تحبها. فرّغ شحنات جسدك بالسجود أو المشي على التراب أو الاغتسال بماء البحر. افعل شيئاً تحبه.. شاهد فيلماً كوميدياً.. حوّل المواقف المزعجة إلى أمور تافهة وأضحك عليها.. نعم اضحك عليها بصوت عالٍ فالحياة أقصر من أن تُريقها تحت أقدام من يؤلمك. اذكر الله دائماً وأبداً وتذكر أن أعظم نصر لك هو أن يكون الله حليفك. ألا يكفيك ذلك؟