أميرة صليبيخ

عندما نزلت سورة المسد على رسول الله، غضبت "أم جميل" زوجة عمه أبو لهب لأن السورة تذمها وزوجها، فذهبت "حمالة الحطب" باحثةً عن الرسول الكريم تريد إيذاءه كما تعودت أن تفعل، فلم تجده مع أنه كان يجلس برفقة أبا بكر حيث أعمى الله بصرها عنه، فقالت بيت شعر تهجوه فيه وهو (مذمماً عصينا، ودينه قلينا، وأمره أبينا). فأصبحت قريش تنادي الرسول (ص) باسم مذمم بدلاً من محمد، وكان هذا الأمر يؤذي الصحابة كثيراً، وكان الرسول يقول: ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم ‏قريش ‏‏ولعنهم، يشتمون ‏‏مذمماً ‏ويلعنون ‏‏مذمماً وأنا ‏‏محمد.

الصورة الذهنية التي كان يتمتع بها الرسول (ص) جعلته يترفعّ عما يسمعه من كلام فلا يؤذيه، لأنه يدرك تماماً أنه نبي هذه الأمة و(مذمم) إنما هي صفة أطلقها عليه أعداؤه ولا علاقة له فيها. بهذه الطريقة تمكّن رسول الله من التركيز على دعوته بدلاً من الانجراف وراء الدفاع عن نفسه أو رد الأذى بأذى أكبر. وهذا في حد ذاته درس نبوي عميق علينا جميعاً أن نمارسه بوعي حتى لا نفقد بوصلتنا في الحياة، ولا تهتز ثقتنا بأنفسنا.

كثيرون منا يتعرضون لمواقف وأحداث تؤثر على صورتهم الذهنية عن أنفسهم، فقد يسمعون كلمات مثل (أنت غبي أو لست جيداً بما فيه الكفاية، أو عليك أن تفقد وزنك لأنك بشع الخ..) فيرتبكون ويفقدون ثقتهم ويُكسرون، لأنهم سمحوا لأنفسهم بقبول إهانة شخص أو تنمره عليهم، فتصبح هذه العبارات واقعهم الجديد الذي قبلوا به. وهنا تكمن خطورة الصورة الذهنية عن الذات فهذه الصورة هي ما سترى انعكاسه في حياتك كلها.

والمقصود بالصورة الذهنية لذاتك هي الطريقة التي تنظر بها لنفسك، فهذه الصورة هي ما يقودك في الحياة وهي ما تجعلك تختار الخيارات المتوافقة معها، إنها تسيّرك دون أن تدرك ذلك. فإن لم ترسم صورتك الذهنية عن ذاتك بطريقة تخدمك وتحقق أهدافك فستصبح حياتك سلسلة من البؤس والفشل.

عليك أن تدرك أن الصورة الذهنية عن الذات هي أمر قبل للتغيير، ويمكنك دائماً خلق الصورة التي تريدها بشكل يمكنك أن تتوافق معه. عليك أن تتعلم حب نفسك وتقبلها، كما عليك تكرار العبارات الإيجابية على نفسك دائماً، والتغاضي عن لوم نفسك وتأنيبها، والتوقف عن عقد مقارنات مع الآخرين. كن أنت وأحط نفسك بمن يتقبلك ويحبك ويدعمك، ولا تقبل أي مذمة تتعرض لها من قبل أي شخص. فهل تقبل بأن تكون (...) لأن شخص آخر أطلق عليك هذا اللقب السيئ؟