أميرة صليبيخ

نمضي في الحياة حاملين أطناناً من الأفكار والمشاعر التي تجعل الحياة أصعب وكل الأحزان أضخم. ومع كل يوم يتآكل سلامنا الداخلي ويحل محله همنا وانكسارنا، إلى أن تأتينا لحظة نغاثُ فيها ببعض الفرح والمسرات. هذه دورة الحياة الطبيعية التي تعلمنا النضج والوعي والثبات في كل موقف.

عن نفسي أستطيع أن أقول إنني تجاوزت العديد من هذه التقلبات بفضل الكتابة. لقد أنقذتني الكتابة ذات يوم من الموت حزناً. لقد كنت مثلك أعاني قسوة العالم غير المبررة، وتكالب الظروف على قلبي دون رحمة، كدت أن أغرق حزناً لو لم أجد في الكتابة بعض الأكسجين. كان الورق في تلك المرحلة البائسة من حياتي ضماداً ضد نزف حقيقة أن أمي لم تعد من الأحياء. لم أجد في عزاء الجميع ما يُعينني على تجاوز هذه المفاجأة المفجعة، لكنني وجدت أن صدر الورق هو المكان الأكثر أماناً ودفئاً -على هذه الأرض- بعد صدر أمي. ولقد نجوت بالكتابة. الكتابة كانت طوق نجاتي، فجرب أنت أيضاً أن تتشبث بها مثلي.

مهما ظننت أن جرحك أكبر من العالم، سيعمل القلم على رتق الجراح كلما تمادت في النزف، وحاولت الثورة على الشفاء. ومهما كانت ركبتاك تتسابقان يأساً للوصول إلى الأرض، ستجد أن الكتابة عكازك الذي تتوكأ عليه فتبقيك واقفاً باستواء تام! وتذكّر أنك لست مسؤولاً عن الفوضى التي تدور حولك، ولكنك مسؤول عن منعها من الامتداد إلى داخلك، والكتابة هي إحدى الدروع المنيعة ضد تسلل هذا الضرر.

أفرغ قلبك على الورق.. تحرر من الضجيج الذي في رأسك. اجلس للكتابة لدقائق أو لساعات، لا يهم. فعملية الشفاء تحتاج لبعض الوقت. اكتب حتى تواجه مخاوفك الكبرى ومن ثم تطردها برفق من قلبك. اكتب حتى لا تدع المرار يبقى طويلاً في داخلك فيبدأ في تناولك على مهل. وتذكر أنك عندما تتخذ القلم صديقاً ستجد أن رفقته تمنحك السلام والخفة والطمأنينة. في النهاية سيقول لك القلم ما تريد أنت أن تقوله لنفسك، ولن تضطر لسماع ترهات العالم من حولك.

الكتابة تمرين جيد لصحة العقل والقلب، وأؤكد لك أن الخربشات التي ستكتبها وأنت في أحلك المواقف إنما هي شاهد على تحررك من كل المشاعر السلبية التي تحملها. ستتخفف من عبء التفكير بها مع كل صفحة تكتبها. جرب ولو لمرة فلن تخسر شيئاً.