صفا حبيب
اختلاف التنشئة بين الماضي والحاضر..

على الرغم من اعتقاد جيل الثمانينات والسبعينات وما قبلها بأن تربيتهم كانت أفضل من تربية الأجيال اللاحقة، إلا أنهم غير مستعدين للتعامل مع أبنائهم بذات الطريقة التي تربوا عليها، والتي كانت «العصا» و«الهوز» العامل الأبرز فيها، فأصحاب ذلك الجيل يعتقدون بأن الضرب هو الذي جعلهم رجالاً ونساء يعتمد عليهم، بخلاف الجيل اللاحق الذي تربى على أساليب التربية الحديثة، فهو بنظر آبائهم جيل لا يعتمد عليه، وإن تطورت مهاراته الأكاديمية، فلن يستطيع أن يواجه بعض الصعاب التي سيمر بها حتماً في يوم من الأيام. لكن في الوقت ذاته، يؤكد خبراء ومختصون أن التنشئة المعتدلة تنتج أطفالاً ذوي شخصيات قوية وواثقة.

من جانبه، قال المواطن حبيب عبدالنبي «من جيل الستينات»: «جهود الآباء والمعلمين في تربية الجيل القديم كانت مثمرة رغم التواضع وصعوبة الحصول على الإمكانيات، إذ كانت التربية تعتمد على الحكمة والفطرة والتجارب، كنا جيلاً يتحمّل المسؤولية، ويأخد بالنصيحة ويحترم آراء الآخرين، أما بالنسبة إلى الجيل الحديث، فهو جيل متمرد يعتمد على الاتصال وعلى التكنولوجيا، جيل انفتح على عادات الغرب الدخيلة على مجتمعنا باسم التطور أو الانفتاح والحرية، وهذا بسبب تغير الزمن والعقلية وطريقة التفكير والعيش، جيل متطور تكنولوجيا وعلمياً جداً ولكن هناك خلل في التربية، أرى الجيل القديم افضل، ولو كان بيدي لربيت أبنائي كما تربيت، ولكن لا يمكن أن نعاكس الزمن».

وأكد المواطن عباس يوسف «من جيل الثمانينات»: «التربية في الماضي أفضل من التربية في الحاضر، لأن التربية في الماضي هي تربية جماعية تقوم على القيم والمبادئ الأخلاقية، كنت طفلاً أعيش في المجتمع وهناك الكثير من الرجال أو الآباء ينظرون لي على أني ابن من أبنائهم، رغم أنه لا يوجد أي صلة رحم معهم، وكذلك أيضاً بالنسبة للأمهات، تربيتنا وفق منظومة أخلاقية، قائمة على الاحترام والتعاون، وطريقة العيش والأنظمة، وأتذكر موقفاً؛ كنت ذاهباً إلى السوبر ماركت «البرادة» لشراء علبة سجائر فسألني البائع لمن هذه العلبة فأجبت لابن عمي، ومباشرة بعد الصلاة ذهب إلى أبي وأخبره عني، وهذا سبب خوفهم وحرصهم علينا».

وتابع: «أما في الوقت الحالي، فهناك اختلاف من جميع النواحي، وخصوصاً مع تطور التكنولوجيا التي أفسدت الأجيال، لا يمكن أن نربي أبناءنا كما تربينا نحن في السابق، بسبب اختلاف الثقافة العامة المجتمعية».

ومن جانبها تقول المواطنة لولوه الكعبي «من جيل التسعينات»: «اختلفت التربية بين الماضي والحاضر، وفي الحالتين توجد مميزات وعيوب، التربية في الماضي تعتبر الأسهل لأنها تعتمد على المعيشة البسيطة والأجواء العائلية والاعتماد على النفس ومن عيوبها الشدة والضرب، عكس الآن مع تطور الزمان أصبحت التربية صعبة جداً وليس من السهل تعليم الطفل الاعتماد على نفسه في أمور كثيرة، التكنولوجيا كانت عاملاً مهماً في إفساد التربية على الرغم من أنها كانت سبباً في تنمية قدرات الأطفال الأكاديمية».

وأضافت المواطنة جنان الحداد «من جيل الثمانيات»: «لو تحدثنا وعقدنا مقارنة بين الجيل القديم والحديث، لوجدنا الكثير من الاختلاف بين الاثنين! على سبيل المثال، الجيل القديم أخذ حنكته ومهاراته عن طريق الممارسة الفعلية، أي أنه خاض التجارب بنفسه وعاش اللحظة ، وأخذ الدروس والعبر عبر المواقف التي تعرض لها وبالتالي كوَّن لديه مخزوناً من الحكمة والتأني والصبر والدراية في كثير من مجالات الحياة، لا ننسى أيضاً أن الجيل القديم كان كادحاً، حتى يحصل على لقمة العيش، يعمل دون كلل أو ملل، يشعر بقيمة ما يحصل عليه ويمتنّ للنعم من حوله، على عكس الجيل الجديد، فهو اتكالي بشكل كبير على من هم حوله، بليد، متسرع ومتهور في قراراته.. لا يأخذ بالنصيحة ويريد كل شيء على عجلة من أمره! والسبب في ذلك يعود إلى تطور التكنولوجيا التي ساهمت بشكل كبير في عدم صقل الشخصيات وتقديم الكثير من الخدمات دون أدنى جهد! كبُرَ الجيل القديم على احترام العادات والتقاليد والتقدير، وترسخت هذه المبادئ والقيم في نفوسهم. على عكس الجيل الجديد الذي عُرِفَ بالتمرد والسيطرة والمخالفة وذلك بسبب الانجراف خلف ما يسمى بالحرية الشخصية».

وأفادت ضحى الصقر «من جيل بداية الألفية الثالثة»: «تربية الجيل القديم أفضل من جيلنا، لأنهم لم يكونوا يملكون الأجهزة الإلكترونية التي أثرت على عقلية الأطفال والتي تتطور مع مرور الزمن وتؤثر على عقليتهم مع كثرة الاستخدام، ولكن هذا لا يعني أن تربية هذا الجيل تربية سلبية، توجد ناحية جيدة أن بعض الأطفال يطورون من أنفسهم عبر تلك الأجهزة ويجيدون استعمالها بطريقة صحيحة، أما من الناحية السلبية في هذا الجيل أنه لا يستطيع أن يواجه بعض الصعاب التي سيمر بها حتماً في يوم ما، وستكون هناك بعض المشاكل الصحية للأطفال مثل صعوبة النطق أو التوحد أو تؤدي حتى إلى المرض النفسي لأنه ستكون طفولته عبارة عن أجهزة إلكترونية، عكس الجيل القديم سيعرف كل شخص كيف يواجهها أو يحلها بطريقته الخاصة لأن معظم أوقات طفولته كانت مختلطة مع الآخرين ويصنع شخصيته بنفسه، لابد من وجود السلبيات والإيجابيات في كل جيل، لكن السؤال هو هل سيستطيع الأشخاص التعامل مع كل جيل حديث ومواكبته؟».

من جانبها قالت استشارية علم الاجتماع إيمان البلوشي: «عندما نقارن الطفل من الجيل الحديث بأطفال الأجيال القديمة نكتشف بأنه مميز في أساليب بحثه عن المعلومات ولديه مخزون واسع منها في مجالات اهتمامه، ويرجع ذلك لكونه «طفل التكنولوجيا» الذي تربى مع الآيباد والآيفون».

وتابعت: «لكن لو رجعنا إلى مميزات طفل الأجيال القديمة لاكتشفنا أنه يتميز على الطفل الحديث بمهاراته الكتابية والقرائية، وأساليب التواصل مع الآخرين، والمهارات الاجتماعية، والاعتمــــــــاد على الذات. وهنا يأتي دور التربويون وأولياء الأمور في سد هذه الثغرات من خلال تدريب الطفل عليها بشكل مكثف. فهل يكفي أن يكون طفلي ذكياً في التغلب على أعلى مستويات ألعاب الفيديو؟ أم يجب علي أن أطمح بأن يكون طفلي من المتميزين في استخدامه للمفردات بشكل صحيح والتعبير عن نفسه وعن رغباته لغوياً.

فهذا يساهم في نجاحه أكاديمياً، ويساهم في صحته النفسية أيضاً عندما تكون عنده الطلاقة والسلاسة بالتعبير عن مشاعره لمن حوله».

وتابعت: «قد تكون خطوة إعادة غرس هذه المهارات في الطفل الحديث صعبة، وقد يواجه الطفل الأب أو الأم بالصراخ والصياح عندما ينصحونه بأهمية الذهاب إلى بيت الجدة بدل اللعب على جهازه، لكننا بحاجة أن نأخذ زمام المبادرة ونؤمن بأهمية هذه الخطوة، يفرحني أنه مازال هناك الكثير من التربويين الواعين الذين غرسوا في أطفالهم مهارات أطفال الأجيال القديمة، ولم يسمحوا للتكنولوجيا أن تسرق فرص تطوير المهارات الاجتماعية لأطفالهم. فترى أطفالهم سعداء، قنوعين، مميزين، وحضورهم دائماً مبهج».

وأفادت التربوية هاشمية السيد: «الطفل هو نواة بناء المجتمع وهو الركيزة الأساسية لبناء مستقبل الأمم، ولذلك وجب علينا الاهتمام بتربية الأطفال وخلق بيئة محفزة وسليمة لهم. ولأن العصر يتقدم سريعاً فالتطور في زمننا قد شمل جميع الجوانب ومن ضمنها الجوانب التربوية. مما جعلنا نخلق مفارقة بين أساليب التربية التقليدية وأساليب التربية الحديثة والنظر في إيجابيات وسلبيات كل منها بهدف الارتقاء بالفرد والمجتمع».

وتابعت: «سابقا كانت التربية تعتمد في المقام الأول على العادات والتقاليد المجتمعية حيث يحرص الآباء على تعليم أبنائهم كل ما يرتبط بالدين. مما ساهم في خلق جيل أصيل متشبع بثقافة دينه وبلاده إلا أن أجدادنا كانوا ينظرون إلى الطفل باعتبار أنه لا يدرك الحياة ولا يفهم شيئاً فيها. هذه النظرة تعتبر خاطئة في علم التربية الحديث، حيث يؤكد العلماء على أهمية الخمس سنوات الأولى من عمر الطفل وكيفية تطور قدراته العقلية والمعرفية فيها».

وأضافت: «في الماضي كانت القسوة هي الأسلوب الغالب في التربية وذلك بهدف تعليم احترام من هو أكبر منك، إلا أن هذا الترهيب يعلم الطفل كيف يخاف من أن يواجه الآخرين أو يدافع عن حقه أو يعبر عن رأيه بحرية خوفاً من التعرض للعقاب، أما في عصرنا الحالي فلم يعد مسموحاً استخدام القسوة في التربية وذلك خوفاً على مشاعر الطفل وتطوره النفسي. عوضاً عن ذلك شاهدنا الإفراط في الدلال بحيث يعطى الطفل كل ما يريد حيث يسعى الأهل لتلبية جميع رغباته، وهذا أيضاً من الأساليب الخاطئة التي تخلق طفلاً غير مبالٍ وغير مهتم للأمور التي تخصه أو تخص الأسرة».

وأردفت: «عند النظر إلى الاختلاف الكبير بين الأسلوب التقليدي والأسلوب الحديث في التربية يجب أن نقف عند الحد الفاصل لخلق نوع من التوازن، فلا نميل للأسلوب القديم ولا نعتمد الأسلوب الحديث، ولكن الأفضل هو تطوير أسلوب التربية التقليدي ليتماشى مع أسلوب التربية الحديث، فعلى الوالدين احتواء الطفل والاستماع لرأيه للتعبير عن رغباته مع توفير الأمان النفسي له وخلق الفرص الإيجابية ليخطأ ويتعلم من أخطائه، في الجانب الآخر يجب علينا أن نتعامل مع الطفل بشكل حازم، فالمعاملة الحازمة هي من أساليب التربية الجيدة لأن فيها نوعاً من الديمقراطية وفيها نوع من الحزم في توضيح رأي الأب أو الأم للطفل، في الوقت ذاته إعطاؤه جزءاً من الحرية، لا حرية مطلقة ولا تسلط مطلق فالتربية المعتدلة تولد بيئة هادئة طبيعية لتربية الأطفال وتنتج أطفالاً ذوي شخصيات قوية وواثقة».