سلوى المؤيد


كما ذكرت في الحلقة الأولى أن كتاب «العودة إلى الطفولة» يتحدث عن العقد النفسية التي يتعذب بها الطفل ويمارسها مع أبنائه وعائلته مثلما مارسها والداه أو من يقوم برعايته عليه فيعذب أسرته ويسبب أذى لمن حوله في المجتمع.

وأعود إلى القول إن هذا الكتاب القيم الذي وضع فيه الطبيب النفسي «د. برنارد شو» خلاصة تجربته المؤلمة التي عانى منها في حياته مع أب سكير غير مسؤول وأناني كان يضربه كثيراً هو وأمه ويحقر من شخصيتهما مما جعل هذا الطبيب ينحدر إلى الإدمان على الكحول مثل والده ويعيد تصرفات أبيه القبيحة مع أبنائه وزوجته وبعد العلاج والشفاء من هذه العقد النفسية مع طبيب نفساني قرر أن يكتب هذا الكتاب «العودة إلى الطفولة» لكي يستفيد القراء من تجربته المؤلمة وكيف واجهها ليشفى من مرضه النفسي ويكون ما ذكره في كتابه تحذيراً للآباء وأفراد العائلة ليكون بين الآباء وأبنائهم أو من يرعاهم حب ومودة واحترام.

يحدد «د. برنارد شو» النتائج التي يصاب بها الطفل الذي تعرض لهذه المعاملة القاسية في عدة نقاط سأحاول تلخيصها ليبتعد عنها كل الوالدين لحماية أبنائهم من الشقاء والانحراف مستقبلاً.

من خلال قصة إحدى الضحايا الذين قابلهم في حياته وعالجهم كطبيب نفسي يحاول «د. برنارد شو» أن يشرح للقارئ معنى فقدان الإنسان لهويته الشخصية بأنه انفصال مشاعر الضحية عن هويته الحقيقية في حياته حيث يقيم نفسه حسب تصرف الشخص الذي يعيش معه أو المجتمع الذي يعيش فيه.

سيدة تزوجت شخصاً محدود الدخل كانت مصممة على إنفاق مبلغ كبير على عضوية اشتراك أسرتها في أحد النوادي الراقية رغم ما كان يسبب لهما من مشاكل مادية وذلك لأنها لا ترى أهميتها إلا من خلال التظاهر الكاذب بالثراء وهذا يدل عدم اعتزازها بشخصيتها الحقيقية. شخص آخر كان يريد الانتحار بعد أن انفصلت عنه حبيبته لأنه لا يرى هويته الشخصية إلا من خلال علاقته الغرامية بهذه الحبيبة.

ويضرب مثلاً آخر يوضح هذا النوع من المرضى الذين ينفصلون عن هوياتهم الحقيقية من خلال إصرار مريضة تعاني من هذا الإحساس الناتج عند فقدان الهوية الشخصية حيث ترى أهميتها من خلال نظرة الناس لها وتريد أن يراها الناس ثرية لذلك تطلب من زوجها وتلح عليه لشراء سيارة مرسيدس لها رغم دخلهم المحدود وأن تشترك عائلتها في أحد النوادي الراقية فأصبح زوجها مبتلياً بالديون لإرضائها.

وهنا يوضح الكاتب الطبيب أن معاملة الوالدين أو أحدهما القاسية للطفل وضربه وتحقير شخصيته يجعله يفقد هويته الشخصية فتتلبس شخصية الشخص الذي اعتدى عليه في طفولته، لذلك معظم الذين يسببون المشاكل في المدرسة أو في العمل أو مع أسرهم يكونون قادمين من بيئة تعرضوا فيها للضرب العنيف والتحقير لشخصياتهم عند عقابهم أو لتحرش أو اعتداء جنسي متكرر من الأب أو ممن يقوم برعايته في مركز الأيتام.

إن هذه التجارب المؤلمة المهينة التي تصيب الطفل تجعله يشعر بالكراهية لغيره ويعتدي على الآخرين ويمارس الأعمال الشريرة وهم سبب بلاء المجتمعات عندما يصبحون في مراكز رئيسة في الدولة أو رؤساء دول حيث لم يفكر أحد بعلاجهم نفسياً ليتمكنوا من التغلب عليها وإبدالها بمشاعر عاطفية إيجابية.

كما أن التدليل الشديد للأبناء يؤدي بهم إلى أن يكونوا أنانيين متسلطين لا يريدون أن يردعهم أي شخص عن تحقيق رغباتهم ويرون أنفسهم أفضل من الآخرين ويتوقعون منهم أن يعاملهم من حولهم معاملة خاصة مثلما كان يفعل آباؤهم ويفتقدون أي إحساس بالمسؤولية تجاه أفعالهم وأخطائهم كما أنهم يكبرون بنفسية غير مطمئنة فيتشككون في نوايا من يعملون معهم ويعتقدون أن مشاكلهم لم يتسببوا بها هم وإنما سببها الأشخاص الآخرون ويكونون أنانيين جداً وسرعان ما تتحطم حياتهم الزوجية بسبب عدم إحساسهم بالمسؤولية الأسرية وميلهم إلى العناد كالأطفال وقد يصل بهم الأمر أحياناً إلى ارتكاب الجرائم ليحققوا رغباتهم إذا لم يحصلوا عليها حتى يتم علاجهم نفسياً.