امل الحربي


الحوار لغة التفاهم والتعارف والحديث أو الحوار. والحوار له أنواع منها الحوار باليدين، فنجد أشخاصاً يحركون أيديهم عند الحديث كثيراً ويشتتون انتباه من يستمع إليهم أو يشاهدهم، وتلك حركة لا شعورية لتأكيد حديثهم والشرح بطريقة أفضل.

وهناك من يتحدث كثيراً ولا يفهم منه إلا القليل، وذلك عائد لعدم قدرته على إيصال فكرته، في حين أن الحديث المقتضب والمفيد والمنظم والمحدد يوصل الفكرة أسرع وله تأثير أسرع، والأهم نوعية الحديث لأن هناك حديثاً أو لفظاً عقيماً أو هداماً فكرياً ونفسياً، وهذا ما سأتحدث عنه في مقالي اليوم لما له من وقع مهم نفسياً على المدى القريب وأيضا على المدى البعيد، فعلى على مستوى الأسرة التحدث مع الأبناء ومقارنتهم بأقرانهم أو إخوانهم مؤذٍ نفسياً لأنه لا يحفز على المنافسة بل على الكره والغيرة، فلو بدلناها بيا حبذا لو فعلت كذا وبابتسامة وهدوء فسيكون تأثيرها قوياً وسريعاً.

الأم عندما ما تقول مثلاً لابنتها أنتِ لست جميلة وتمدح أمامها ابنة الجيران هي تريد أن تجعل ابنتها تهتم بنفسها أكثر، لكن هذا سيؤثر على الابنة بطريقة سلبية سيجعلها تغار من ابنة الجيران وتكرهها، ناهيك عن التأثير النفسي الذي يجعلها لا تحب ذاتها ويصبح لديها عدم ثقة بالنفس.

أيضاً من الأحاديث غير المحببة من جانب الأم عندما تقول لابنتها مثلاً ذات العشر سنوات لقد كبرتِ وأصبحتِ امرأة، فلا تلعبي فهذا للأطفال ليس لكِ، أو تقول لها كبرتِ بالسن، فذلك يجعلها تتوقع وتحس أنها كبرت جداً وسترى الحياة بمنظور آخر ويجعلها تكتئب وتختبئ من المجتمع، وهذا يؤثر عليها عندما تكبر فلا تعرف التحدث مع الآخرين ولا تستطيع التطور بحياتها. أيضاً الابن عندما يقول له والده لقد كبرت وأصبحت رجلاً وعليك مسؤوليات هو بذلك يجعله يكبر قبل أوانه ولا يعيش طفولته ومراهقته، ويقحمه بأشياء أكبر من قدرته وسعة عقله وتفكيره، وهذا له تأثير سلبي على إدارة حياته عندما يصبح رجلاً وأباً.

ما أريد توصيله هو أنه يجب أن يعيش الإنسان سنه الحقيقي، فالطفل يجب أن يلعب ويضحك ولا نحمله طاقة أكبر منه نفسياً وجسدياً، فهذه سنة الحياة، لكل عمر حياته ويجب أن نعيشه كما هو، وليس هناك إنسان كامل فالجميع يخطئ ويتعلم من أخطائه ويتعثر وينهض، هذه هي الحياة ليست كلها وردية وسعادة، هناك عثرات والعثرات تكون على حسب قوة تحمل الإنسان، فرب العالمين يعرف قدرة تحمّل كل إنسان ويجعل عثراته ومشاكله على قدر تحمله نفسياً وجسدياً وذلك لاختبار تحمله، وهذه العثرات تعلم الإنسان لاحقاً دروساً بالحياة.

الحوار بين أفراد الأسرة مهم فهو يخلق بيئة من التفاهم والنقاش، طبعاً بدون غضب، جميل أن يتعلم أفراد الأسرة النقاش بهدوء وأن يكون نقاشاً بناء هادفاً له أركانه الصحيحة، فالحديث له قواعده وآدابه بين أفراد الأسرة وأيضاً بالمجتمع، وعدم مقاطعة شخص عندما يتحدث أو العصبية والتعنت بالرأي، لا، لكن بهدوء ونقاش فيه احترام وتقدير لبعضهم، والسماح لكل فرد بالحديث والانصات له، فالانصات احترام للمتحدث ويجعل الشخص يفهم الموضوع والفكرة.

الحوار على مستوى الأسرة مهم لأنه يؤثر أيضاً على المجتمع، فالإنسان يتعلم أصول الحديث والنقاش من أسرته أولاً ثم المجتمع، وهو فرد من أفراد المجتمع، وبالتالي سيؤثر ويتأثر بالآخرين.

في المدرسة أو الجامعة أيضاً الحوار مهم بين الطلبة والمعلم أو الأكاديمي والنقاش، وجعل مساحة للطلبة لإبداء آرائهم واستفساراتهم يقوي شخصياتهم ويجعلهم قادرين فيما بعد على التحدث ببيئة العمل والتطور وإبراز أفكار جديدة وإيصال أفكارهم أيضاً بطريقة سلسة ومنطقية وحكيمة نوعاً ما، فالإنسان لا يمكن أن يكون حكيماً مطلقاً لكن يستطيع أن يكون لديه القليل من الحكمة والتحكم بأعصابه ويهدأ بعيداً عن الغضب ويفكر بما سيتفوه به من كلمة أو حرف لأن حديثة سيكون ضده أو معه، فحديث الشخص هو مرآته لدى نفسه والآخرين وسلاحه.

تحديد الحديث والموضوع والنقاط المراد التحدث بها أو عنها وأهداف الحديث مهم جداً، لما سيترتب عليه من نتائج مهمة لاحقاً مستقبلاً. إذن فلنفكر لثوانٍ قبل أن نتفوه بكلمة قد تجرح إنساناً أو حديثاً إذا تحدثنا به سيولد حقداً أو كراهية أو يُحدث بلبلة، فقليل من التفكير قبل الحديث مهم ومفيد، لأن ما ستتحدث به الآن لن يعود، فالزمن لا يعود والحديث كالزمن لا يعود عندما يذهب أو يخرج، ففكر لثوان قبل تفوهك بكلمة أو حديث.