صبا العصفور - جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية
لا يختلف اثنان على وجود عنف موجّه ضد المرأة بشكل خاص، أدى إلى فقدانها الكثير من حقوقها الأساسية والتي بدورها انعكست بشكل سلبي على أدائها لأدوارها المجتمعية وتهميشها ومصادرة رأيها في العديد من المواقع، وعليه انتشرت بين الناس ومن خلال الأخصائيين الاجتماعيين ومدربي التنمية البشرية الكثير من الاقتباسات والمقولات - والتي في أغلبها مترجمة من لغات أجنبية- مثل «اعرفي قدر نفسكِ» «من يحبكِ يقبلكِ كما أنتِ»، «من لا يسأل عنكِ لا تسألي عنه»، «لا تهتمي بما يقال لكِ ما دمتِ على ثقة»، وغيرها، والتي تبدو في ظاهرها محفزّة ودافعة للمرأة لتحدي قدراتها وتعزيز ثقتها بنفسها.
كما نرى انعكاسها في الأفلام والمسلسلات التي تغزونا من ثقافات مختلفة، فتصوّر لنا البطلة متحدية المجتمع فتصرخ وتقول: «أنا أستطيع» ثم فجأة وبحبكة درامية تُفتح لها طاقة القدر لتُحقّق المستحيل.
لكن ما تأثير هذه المقولات على المرأة المتلقية وهي تمر بمرحلة حرجة من حياتها وتتطلب اتخاذ قرار مصيري، هل ستؤدي الغاية منها وهي تعزيز الثقة بالنفس والاستقرار الاجتماعي أو الترقي الوظيفي؟ أم سيكون لها أثر مغاير؟ وهل يمكن استهلاك هذه الاقتباسات بمعزل عن ثقافتنا الدينية أو المجتمعية؟
لا ننفي هنا قدرات المرأة وإمكانياتها ولكننا نعرف الواقع وتحدياته جيداً، فلا يمكن مطالبتها دائما بتحدي ذلك الواقع بدون دراسة متأنية والاستعداد لتحمل النتائج، فماذا لو قيلت عبارة «من لا يسأل عنكِ لا تسألي عنه» إلى زوجة في وقت خصام مع زوجها؟ فحتماً وبما لا يدع مجالا للتكهن والشك ستُختتم هذه العلاقة بالطلاق.
وماذا عن «من يحبني يقبلني كما أنا» إذا وجهت لفتاة قليلة الخبرة وعلى وشك الزواج أو الانضمام لفريق عمل؟ فلن تستمع للنصح والتوجيه من المسؤول أو حتى قبول ملاحظة ذلك الزوج المرتقب، وربما سينتهي بها المطاف وحيدة من دون رفقة حقيقية.
وعبارة «لا تهتمي بما يقال لكِ ما دمت ِعلى ثقة» إذا نُصحت بها شابة مندفعة لتحقيق حلمها بالشهرة والثراء رغم اعتراض ذويها الذين يرون المخاطر محدقة بها، فاحتمال انقلاب حياتها رأسا على عقب وارد جداً.
الجميع يدعو إلى اتخاذ شعارات ومقولات من أصحاب الخبرة من مختلف الثقافات، ولكن ما يتم إغفاله هو ترك السياق الذي وردت فيه تلك المقولة، فتقتطع جملة يتيمة من مقال طويل أو مسيرة شخص ملهم، بغض النظر عن المقصود الفعلي منها أو عن التحديات التي مر بها والعقبات التي تجاوزها أو ظروفهم المختلفة التي لا تشابه مجتمعنا في شيء.
فعبارة «من يحبني يقبلني كما أنا» صحيحة ولكن يقبلني بشكلي الذي خلقني الله عليه وعائلتي التي ولدت بها، ولكن لا يقبل سوء خلقي وعنادي وتكبّري.
لذلك من الأجدر الرجوع إلى ثقافتنا وموروثنا الديني والاجتماعي، فلولا «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بمفهومه الواسع الذي يشمل مجالات الحياة المتعددة الدينية منها والاجتماعية لما تأسس مجتمعاً أخلاقياً، و«خيركم خيركم لأهله» كانت عماد لأسرة تسودها القيم، و«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» ركيزة لصلاح كافة المؤسسات، وغيرها من الاقتباسات التي تدعو لتقبل الحق ورفض الباطل وتحملّ المسؤولية لتحقيق الاستقرار والتنمية وإعمار البيوت لا خرابها.