أميرة صليبيخ
عندما توفيت أمي، كانت أكبر معضلة واجهتها -بعد عودتي للحياة الطبيعية- هي كمية الحنان التي اختفت فجأة. فقد خلّف غيابها فراغاً موحشاً تتزايد هوّته مع الأيام بالرغم من مرور 10 سنوات. كانت أول فكرة خطرت لي في ذلك الوقت، هي أن أقتني قطة لأني عن تجربة سابقة أعلم أن للقطط قدرة خفية على منحك الحب والحنان، بعد اقتناء الهرة المناسبة وعودة البهجة لإخواني الصغار، أُصبت بنوع من الحساسية اضطرتني لإيداع القطة في أحد الملاجئ، فعدت لنقطة الصفر، وتجرأ الظلام على أن يبتلعني مرة أخرى.
في ذلك الوقت، كنت أعتقد أن القطط كغيرها من الحيوانات، مجرد كائنات لا تملك أدني قدر من المشاعر، تعيش لتأكل وتشرب وتتزاوج ثم تموت. إلى أن أدركت مؤخراً -بفضل الفيديوهات المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي من قبل أصحاب الحيوانات الأليفة- أن مفاهيمي مغلوطة عن عالم الحيوان، لأن هذه المخلوقات وخصوصاً القطط والكلاب هي أكثر الكائنات قدرة على فهم البشر والتواصل معهم باستخدام مختلف الحواس، وهي أكثرهم وفاءً وارتباطاً به.
يكفيك أن تطعم كلباً حتى تملك وفاءه ومحبته لآخر العمر، على عكس البشر الغارقين في أنانيتهم المفرطة دائماً ما يلقون الحجارة في البئر التي شربوا منها حتى لا يشرب من بعدهم أحد.
ولعل أبلغ دليل على أن الحيوانات كائنات تفهم وتشعر مثلنا تماماً، كما أنها تعبد الله وتسبحه، قوله تعالى «وَما مِن دابَّةٍ فِي الأَرضِ وَلا طائِرٍ يَطيرُ بِجَناحَيهِ إِلّا أُمَمٌ أَمثالُكُم ما فَرَّطنا فِي الكِتابِ مِن شَيءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِم يُحشَرونَ» وأيضاً «تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً».
فالحيوانات مدرسة يتعلم منها الإنسان، فتربيتهم أو حتى الإحسان إليهم يعلمك أن تهذب نفسك، فيّرق قلبك ويصبح اللين والرفق خصلة متجذرة فيك، كما تعلمك أن تتحمل مسؤولية الكائنات الأخرى وتساهم في تخفيف معاناتها، بالإضافة أنها تطور ذكاءك الاجتماعي من خلال مراقبة حركات الحيوان ومحاولة فك شيفرته في التواصل معك سواء بالتواصل البصري أو اللمس والتودد إليك، كما أنها تدخل السرور إلى قلبك وتعلمك المرح وعيش اللحظة، تاركاَ ضجيج الحياة خلفك، ومركزاً على هذا المخلوق اللطيف فقط، والأجمل أنها تعلمّك الحب اللامشروط والعطاء دون مقابل. هناك الكثير لتتعلمه من الحيوانات حتى تكون إنساناً أفضل.
فقط راقبها وتعلمّ.