م. صبا العصفور


لفتت انتباهي الابتسامة الدائمة لموظف تحصيل أجرة مواقف السيارات في إحدى المؤسسات الخدمية التي أتردّد عليها، فهو هش بش مع سواق المركبات في جميع الأوقات حتى لو كان مرهقاً أو قرب نهاية الدوام، وفي إحدى المرات أخبرته بتقديري لابتسامته الدائمة، ولم أكن أتوقع وقع تلك الكلمة على نفسه إلا حين تهلّل وجهه وتضاعف حجم ابتسامته.

ويخبرني أحد الأشخاص بأنه التحق بعمل جديد، وحين وصوله لبوابة المبنى حيّا بتلقائية حارس الأمن وهو من العمالة الوافدة، فسأله: «هل تراني؟»، فبدت على ملامحه علامات التعجب والاندهاش متسائلاً عن المقصد، فاستطرد ذلك الحارس سعيدا مبتهجاً: «إذا فأنت تراني! لأنني أعمل هنا منذ أحد عشر شهراً ولم يسلم عليّ أحد».

كذلك يروي قريب لي موقفاً حدث له في العمل، حيث تطاولت إحدى الموظفات على المراسل الأجنبي بسبب سوء فهم بسيط، حينها استنكر ردة فعل الموظفة ورد الأذى عن المراسل، بعدها استرسل قائلاً: «في ذلك المساء وجدت صورتي مع المراسل على حسابه الشخصي في مواقع التواصل الاجتماعي معلقاً «هذا صديقي البحريني الوحيد»».

وتقول زميلتي بأنها افتقدت موظفة المحاسبة في البقالة المجاورة لمنزلها، فسألت زميلتها عنها لتطمئن عليها فأخبرتها بأنها تزوجت حديثاً وهي في إجازة، وعندما عادت -الموظفة- لرأس العمل بقيت في انتظارها لتستفسر عن سبب السؤال، فأجابت: «لا لشيء إلا للسؤال عن أحوالك، بعد أن افتقدت وجودك فعلمت بخبر زواجك وألف مبروك» وتناولت علبة حلويات من قرب منصة الدفع وأعطتها لها كهدية زواج، ولمحت دمعة الفرح في عينيها لسعادتها بأنها محط اهتمام الزبونة.

كثيرة هي المواقف الصغيرة التي نتعرض لها في حياتنا وبإمكاننا استثمارها لإدخال السرور في قلب الآخرين، ولكننا نتجاهلها ولا نعيرها أي اهتمام، هل بسبب غفلتنا أو لأن أحاسيسهم لا تعنينا؟ قد يكون القيام بتصرف بسيط لا يكلّف إنجازه شيئاً وله كبير الأثر عند الآخر.

فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغشى أصحابه ويخالطهم، وكان معهم صبي يقال له أبو عمير له طائر يشبه العصفور يلاعبه يسمى النغير، فمات النغير وحزن الصبي حزناً شديداً، ولما بلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أتاه مسرعاً وأخذ يواسيه ويخفّف حزنه حتى تبسم وفرح لكلامه صلى الله عليه وسلم.

كانت حياة رسول الإنسانية حية متفاعلة مع الكبير والصغير برقة مشاعره، فهو دائم التفقد لأحوال أمته كبيرهم وصغيرهم وحتى الخاطئين منهم، فقد كان يشاركهم أفراحهم ويواسيهم في أحزانهم ويرفق بهم في كل أحوالهم، كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «كلُّ معروف صدقة، وإنَّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْق»، ما أعظم ديننا وأكرم نبينا الذي جعل «التبسم صدقة».