زاوية "أس": عائشة البوعينين - مدرب تربوي وكوتش - أخصائي سعادة ومرشد أسري
شعور غريب ينتابني عندما يحدث موقف لأطفالي وكأنني أنا من عشته.. عندما يختلفون على المكان الذين يجلسون عليه في مائدة الطعام، عندما يتشاجرون على ألعابهم وترتفع أصواتهم بالبكاء والشكوى يمرني طيف ذكريات للطفولة وأصوات الأسرة وكلام أبي حفظه الله «ستكبرون وتتذكرون هذه اللحظات وتشتاقون لها ولن تستطيعوا العودة لها أبداً» نعم مر قطار العمر وأصبحت تلك اللحظات من طيف الذكريات الذي يمرنا بين الفينة والأخرى.
نعم طيف الذكريات.. هو التركة الحقيقية التي يرثها أطفالنا عنا فما هي المواقف التي سيذكرونها بها؟ ما هي الأمور التي سيشعرون تجاهها بالامتنان بوجودنا في حياتهم؟ دائماً ما نحرص على أن نختار لهم أرقى الملابس و أفضل الطعام.. الانتقاء مهم جداً حتى في المواقف والذكريات. وكما قيل: أنت الآن تعيش في ماضي أطفالك، فأحسن صنع ذكرياتهم.
لا ننكر الصعوبات الكثيرة التي يعيشها الوالدين في حياتهم خصوصاً مع تسارع وتيرة الحياة بسبب المهام التي يقومان بها خلال اليوم، ولهذا صار مجرد الحديث مع أطفالنا عبئاً كبيراً. المشكلة تكمن في معتقدنا أن الذكريات الجميلة مع أطفالنا تحتاج وقتاً كثيراً أو أموالاً طائلة نصرفها في رحلة تسوق أو مدينة ملاهٍ أو سفر لإحدى الدول البعيدة.
لكن القاعدة المهمة في التعامل أن الأطفال لا يتذكرون الأسعار أو نوع الهدايا إنما الذي يتذكرونه هو مشاعرهم وأحاسيسهم مثل «الحب والفخر والأمان والسعادة». لابد أن نفرق بين شيئين «الخبرة وذاكرة الخبرة»، فالمواقف التي تحدث هي عبارة عن خبرات لأطفالنا وهي لا تثبت في الذاكرة بكل تفاصيلها، أما مشاعرنا التي نشعر بها أثناء المواقف هي ذاكرة الخبرة أي ما نتذكره من الخبرة، فكلما استرجعنا الموقف نتذكر مشاعرنا في ذلك الموقف وهنا يكون الاختلاف بين الأفراد، فعلى سبيل المثال رحلة السباحة إلى بركة تجعل الأم تشعر بالقلق أما الطفل يشعر بالمغامرة.. وهنا كلما تذكروا الرحلة سيتذكرون خبرتها من خلال مشاعرهم وأحاسيسهم.
يسألني سائل: ما هي الحاجات التي تؤثر على ذكريات الطفولة؟ وأجيبه فأقول: تتأثر ذكريات أطفالنا بمجموعة من الأمور.
أولها: مرور الوقت، كلما مر الوقت زادت مرحلة الحب والاستمتاع لدى أطفالنا، فالذكريات تختفي فلا يتذكرونها كما حصلت وإنما الذي يعلق في ذاكرتهم جزء بسيط جداً، ولهذا لابد من استغلال المواقف معهم وتذكيرهم بمشاعرهم الحلوة للذكريات بين الفينة والأخرى.
ثانياً: وجهة نظر الأشخاص تختلف من واحد لآخر، لهذا من الجيد تصوير الذكريات وعرضها على أطفالنا ومناقشتهم فيما شعروا به ذلك الوقت ونستمع لتعبيرهم عن مشاعرهم فذلك أدعى أن يبقى في قلوبهم للأبد.
ثالثاً: المشاعر والعواطف مستحيل أن ينساها أي شخص مهما كان حجمها «الفرح، الخوف، الحزن و الألم» وكذلك المساندة والدعم في مثل هذي الأوقات لا تنسى أبداً مهما كانت صغيرة.
رابعاً: الكلام الإيجابي عن الذكريات، تحدث بإيجابية عن ذكرياتك مع أطفالك حتى لو حدثت أمور سلبية في تلك المواقف تغافل عنها وركز على ما تريد أن يبقى في ذاكرتهم من مشاعر جميلة، ولا يعني أنك تمنع الطفل من الحديث عن الأمور السلبية في ذكرياته بل ناقشه كيف يمكن أن يتعلم من تلك المواقف بشرط الطريقة الإيجابية في الحديث والتفكير.
فعلى سبيل المثال: طفلك عندما كان صغيراً كثيراً ما يسقط من الدراجة ويُجرح، هنا لا تذكره بعدد مرات السقوط وإنما ذكره كيف كان قوياً وتعلم من محاولاته ونجح كي يفتخر بإنجازاته وتزداد ثقته بنفسه.
خامسًا: العطور والروائح لها سر عجيب في صنع الذكريات، مازلنا على الرغم من مرور الزمن نذكر رائحة وجبتنا المفضلة التي تطبخها الوالدة ونتذكر عطر الوالد ورائحة العود عندما يتجهز لصلاة الجمعة. شارك أطفالك عطرك المفضل وأخبرهم أنهم مهمين في حياتك ولذلك تشاركهم أشياءك الحلوة.
سادساً: الشفرات السرية.. اجعل لأطفالك عبارات مميزة وخاصة لا يسمعها من أحد غيرك مثلاً «لمة الحب أو حضن الحب قبل النوم» أو «قبلة الشجاعة على جبينه عندما يشعر بالخوف» وغيرها من اللزمات التي تميز علاقتكم عن غيرها من العلاقات، فبمجرد أن يسمع الطفل هذه الكلمة في مكان آخر يتكون لديه ارتباط خاص بذكرياته معك.
همسة أس
كل ما سبق لا يعني أن تكون حياتنا مثالية دون غضب أو صراخ أو حتى مواقف تؤثر على العلاقات داخل الأسرة، كلنا نواجه ضغوطاً يومية لكن يجب أن نحرص على أن تكون أغلب ذكرياتنا مع أطفالنا جميلة فنحاول أن نستغل كل مناسبة وموقف بما يخدم هدفنا في العيش بسعادة مع أطفالنا.