أميرة صليبيخ
طوال حياتي آمنت بأن الكتب تمنح القارئ نوعاً من الطمأنينة الداخلية بأنه ليس وحيداً، ولذلك كلما ألقيتُ نظرةً على مكتبتي الآخذة في التضخم كلما شعرت بنوع من الراحة النفسية لوجود كل هؤلاء الرفاق حولي، وكأن للكتب أيدي خفية قادرة على أن تزيح القلق مني وتعيد ترتيب فوضى مزاجي. فهذه الأكوام الورقية المصفوفة على الأرفف إنما هم علاجك، وسيبقون على قيد صداقتك طالما كنت مهتماً بها.
ومنذ سنواتي الأولى نشأت وأنا محاطة بالكتب. فمكتبة أبي تضم أمهات الكتب والمجلدات الضخمة التي تبهج العين، كتب محفورة ومنقوشة بخطوط مختلفة، إضافة إلى الكثير من العناوين الملفتة التي كانت يدي تمتد لها بين حين وآخر. كانت هذه البداية التي أدخلتني للعوالم السحرية للكتب. وكانت أمي رحمها الله باستمرار تشجع في هذه العادة الحميدة، فقد كانت تصحبني بين فترة وأخرى للمكتبة الملاصقة لمنزل جدتي، أو تمنحني النقود لشراء الكتب. لا أذكر أبداً بأني لعبت في إحدى دمى «باربي»، بل كنت أجمع الكتب والقصص القصيرة وكتيبات الجيب التي أحملها معي دائماً، فقد كانت جزءاً من هويتي، ومع الوقت أصبحت لا أخرج بدونها، وكأنها قطعة ملابس أحتاجها لتسترني عن أعين الآخرين.
هوس جمع الكتب لم يكن شيئاً اكتسبته مع الوقت، بل أعتقد بأنه أمر متناقل عبر الأجيال في الجينات وكأن الـDNA مصّر على تمرير هذا الحب المتأصل للكتب لجميع المحظوظين في العائلة، وأبلغ دليلاً على ذلك هو أن جدتي لأمي تملأ خزانة ملابسها بكتبها التي جمعتها على مدار السنوات، وخالي يفضل أن تنام الكتب بجانبه على السرير. أما أنا فلم أختلف كثيراً عنهم، فالكتب هي سيدة الغرفة وأنا مجرد ضيفة مؤقتة لديها.
والحقيقة هي أنني بالرغم من شرائي للكتب إلا أني كنت أستعير بعضهاً منها من مكتبة المدرسة الابتدائية. وعندما كبرت وأصبحت لدي مكتبتي الخاصة، لم أفهم أبداً كيف يمكن لأي شخص أن يأمن كتبه لدى شخص آخر! فالإعارة إنما هي تفريط في الكتب ففي الغالب الكتب لن ترجع لك، وكأن الاستعارة اتفاق ضمني على أن تتخلى بكامل وعيك عن أشيائك تحت مسمى ألطف، فبدلاً من أن تسميها «تخلي» تسميها «استعارة». لذا من أجل الحفاظ على صداقاتي مع البشر وضعت حداً لموضوع استعارة الكتب فأنا لا أُعير أبنائي لأحد. هكذا هي علاقتي مع كتبي. ممنوع لمسها أو الاقتراب منها.