في أحد اللقاءات مع مجموعة من الأصدقاء والمعارف، تطرق الحديث إلى ما آلت إليه الأمور في الغرب من فساد وتفسخ للقيم، فقال أحدهم "الشق أوسع من الرقعة"، وهو مثل شعبي يُقال عندما يصعب إصلاح الشيء حين يتمكن منه العطب.

ولا يخفى على أحد الوضع العام للمجتمع الغربي والذي حصل على منافسين يجارونه في الانهيار الأخلاقي من المجتمعات الشرقية والإسلامية، بسبب افتقاده لأهم مقومات ومكونات ثباته وهو الأسرة، لعدة أسباب نوجز بعضاً منها.

أولاً: لم يعد للزواج قدسيته التي أمر بها الله سبحانه وتعالى، فأصبح الطلاق أول الحلول عند أول مشاجرة أو حتى اختلاف وجهات النظر، فلا سبيل للحوار أو اللجوء إلى حكيم لتوفيق الأمور.

ثانياً: استقلالية الأبناء وابتعادهم عن وحدة الأسرة بحجة طلب الرزق وانشغالات الحياة، كاضمحلال الروابط بين الأخوة، وإيكال رعاية الوالدين للممرضة حتى صارت من أفضل أشكال البر.

ثالثاً: الاستقلال المادي لدى الزوجة -والذي يُعد مطلباً أساسياً لتمكين المرأة-، بدلاً من أن يكون داعماً لثبات الأسرة بات ورقة رابحة لديها لتساوم به على طلاقها عند أبسط التحديات وكأن المال هو الرابط الوحيد للعلاقة بين الأزواج.

رابعاً: سعي الأفراد النهم خلف الرزق والطموح والمادة أدى إلى خلخلة الأولويات في الحياة، فالترقي الوظيفي وزيادة الدخل تفوقا على ترجيح قضاء الوقت مع الأبناء أو الاجتماع حول وجبة طعام.

خامساً: انشغال جميع العائلة بالأجهزة الذكية والكماليات أدى إلى انعزالية أفرادها وبحثهم عن علاقات مع أناس افتراضيين والفضفضة لدى الأغراب.

سادساً: البحث عن الحب خارج منظومة العائلة من غير تحديد للكيفية والإطار العام لهذه العلاقة، فكثرت العلاقات السقيمة والمريضة والمبنية على المصالح بدل الإيثار والألفة.

سابعاً: طُمست الهوية الثقافية الذاتية للفرد وذابت في الهويات المختلفة -مع كل الاحترام لكافة الثقافات-، فلم يعد يعرف الشخص نفسه أو انتماءه الاجتماعي أو الديني.

ثامناً: تشريع ولادة أبناء خارج إطار الزواج في بعض الدول حتى الشرقية منها أو تسهيل انفصال الأزواج مما أدى إلى انتشار ظاهرة الأم العزباء والأب الأعزب.

تاسعاً: تشريع الزواج المثلي في الدول الغربية وقبول المتحولين جنسياً وإدماجهم في المجتمع وعملية التطبيع الجارية على قدم وساق من خلال الإعلام الغربي المهيمن على أشكال الفنون ووسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة.

عاشراً: السبب الذي قد يكون الأكثر فتكاً هو ضعف المناهج التعليمية والتربوية التي تفتقد إلى القيم ولا تعزز النقد البناء والحوار مع الأجيال الصاعدة فأدى إلى نفور ثقافي وفتور اجتماعي.

للأسف قد تكون تلك بعض الأسباب المؤدية لاتساع الشق في الأسرة والمجتمع حاليا، ولسنا بصدد طرح الحلول والمعالجات في هذا السياق لأنها تتطلب بحثا مستفيضا، ولكن من المؤكّد أنَّ الإنسان مازال يمتلك من القيم والمعارف ما يكفي لرقع ذلك الشق قبل فوات الأوان.

م.صبا العصفور

جمعية البحرين النسائية – للتنمية الإنسانية