أميرة صليبيخ
«لستُ مبتهجاً ولا ضجراً لكن هناك خدر يسري في روحي. أرغب في الجلوس دون أن أتحرك أو أنطق». بهذه الكلمات البسيطة، العميقة، والمباشرة، يصف الأديب الروسي أنطون تشيخوف مشاعره في رسالة إلى أخته، كتبها وهو على متن باخرة تشق بهدوء طريقها في غيابة البحر، بينما كان يجلس بمعية عدد من الركاب، محاطاً بطقس بارد كبرودة أحاديثهم التي لم تثر أو تُثري اهتمامه.
أتخيل شعور تشيخوف وهو غارق في اللاشعور، تلك المنطقة الرمادية التي تتساوى فيها كل المشاعر، منطقة اللا حياة، يساير وحدته المتنكرة في شكل رفقة مع آخرين لا يشبهونه في شيء ولا يمدونه بحبل قصير من الانتماء، وكأنه فاصلة إضافية وُضعت ما بين الكلمات لا ينتبه لها أحد ولا حاجة لوجودها من الأساس.
أدرك أن الكثيرين منا قد عاشوا هذه المشاعر الباهتة التي تجعلهم مثل زومبي، يتحركون دون رغبة منهم، يمضون في الطريق وهم يحملون شعور الخواء بداخلهم، يقضون أوقاتهم مع الآخرين دون إحساس بالمرح أو المتعة، مجرد أجساد خشبية تشغل حيزاً من المكان، وتحاول أن تعيش ما تبقى لها من عمر ثم تموت بسلام.
في حقيقة الأمر، لا يكفي أن نكون ضمن مجموعة ما، بل المهم هو أن نكون في موقعنا الصحيح وكأننا القطعة التي لا تكتمل بدونها الصورة. جميل هذا الشعور بالامتلاء بمحبة الناس وأننا جزء منهم، الشعور بالحب يجعلك حياً جداً. أما شعورك بأنك لا تنتمي لأحد أو أنك مجرد عدد إضافي فهو أمر مزعج، يُنهك الروح، ويسلبك خاصية الوجود. فعندما لا أراك فهذا يعني أني نفيت عنك صفة الوجود وهو أمر قاس من الصعب أن يتعافى المرء منه بسهولة، يجعلك تائهاً، لا أرض لك لتتشبث بها، وكأنك بلا قيمة.
ومع ذلك، فمن الطبيعي جداً -وربما من الجيد- أن نشعر بين فترة وأخرى أننا زومبي مفرغون من مشاعرنا، فشعورك بأنك بدون شعور هو في النهاية شعور. لذا حاول ألا تضيع وقتك في قضاء حياة لا تشبهك، مع آخرين لا يشبهونك، حتى لا تكون تشيخوف آخر، لأنك مع الوقت ستفقد رغبتك في الحياة وستتعطل كل مشاعرك وتعتاد على هذا الخدر الدائم، وهو أسوأ قصاص ممكن أن تعاقب به نفسك. فالعالقون في هذا الشعور، عليهم أن يستعيدوا حياتهم وأن يوجدوا لها معنى قبل أن تنطفئ أرواحهم تحت وطأة الظروف.