محمد إسحاق
تخيل لو فرضت اللغة الفرنسية على الطلاب في أمريكا وصار إتقانها والتحدث بها شرط لدخول الجامعة والحصول على وظيفة.
فكيف سيكون حال الطلبة وهم مطالبون بتعلم لغة بعيدة عن لغتهم الأم وإتقانها؟؟
وكم ستكون نسبة التسرب من التعليم وانحسار عدد المتميزين والمبدعين هناك؟؟
أعتقد أن عجلة التطور والإبداع هناك ستصاب بنوع من الشلل والتوقف والتراجع.
فليس الطلبة كلهم على استعداد لتعلم لغة أجنبية وإتقانها والدراسة فيها والعمل من خلالها.
وهذا شبيه بما حصل مع اللغة العربية والتوجه إلى اللغات الأجنبية لتعلمها والعمل من خلالها.
فصارت اللغة الإنجليزية عُقدة للكثير من الطلبة ومصدراً للتوتر قبيل دخول الجامعة، وسبباً لإخفاق الكثير من الطلبة وانصرافهم عن التعليم الجامعي من الأساس.
لا ننكر أن اللغة الإنجليزية هي لغة العلم في زماننا وتعلمها مهم، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب إهمال وتجاهل اللغة العربية بل والتنكر لها وهُجرانها ليقال عن صاحبها إنه مثقف أو متعلم.
وقبل أن تكون العربية لغتنا الأم فهي تدل على هويتنا وانتمائنا وتُميز مجتمعاتنا العربية، وتتميز لغتنا العربية بالتنوع والغنى ما يجعلها قادرة على استيعاب كل مصطلحات العلم الحديث عن طريق الاشتقاق أو إيجاد مصطلحات جديدة أو إيجاد كلمات مناسبة من تراثنا اللغوي الخصب.
ولو تأملت المراحل الدراسية الأساسية والدراسة الجامعية والمراجع العلمية في البلدان المتقدمة لوجدتها كلها بلغة البلد الأم، بالرغم من عدم انتشارها وتواجدها خارج نطاق تلك البلدان كما هو الحال في اليابان وألمانيا والصين.
وتجد أن حركة الترجمة للمراجع العلمية والكتب النافعة نشطة للغاية، ومن أنشطها تلكم الدول الصين في ترجمة العلوم النافعة وإتاحتها للشعب الصيني بلغته حرصاً على وصول المعلومة إليهم.
وأختم المقال بكلام الدكتور عبدالكريم بكار عن التعليم الجامعي في كتابه -حول التربية والتعليم- قال فيه: «إن تدريس بعض العلوم بلغات أجنبية، يكوِّن لدينا جزراً ثقافية معزولة عن محيطها، كما يحرم السواد الأعظم من الناس من الاطلاع على تلك العلوم والتفاعل معها.
هناك تجارب تُفيد بأن استيعاب الطلاب للمواد الدراسية يكون أفضل بكثير عندما يدرسون هذه المواد باللغة العربية؛ وذلك لأن حواس الإنسان العربي مُعتادة على تأثيرات لغته العربية، وتدريس العلوم بلغة أجنبية، يجعل الطلاب مخذولين من حيث الفهم، ثم من حيث الإبداع؛ لأن سيطرتهم على تلك اللغة لن تكون أبداً كسيطرتهم على لغتهم الأم».
وللحديث بقية بإذن الله.