فريضةٌ عظيمةٌ من أركانِ الإسلامِ ومبانيهِ العِظام، وفعلَها شعار للمؤمنينَ، وسبيل إلى التَّمكينَ، وشرطاً لأخوَّةِ الدِّينِ، إنَّها فريضةُ الزَّكاةِ التي قُرنَتْ بالصَّلاةِ في القرآنِ في مواضعَ كثيرةٍ، قال تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ»، وقالَ تعالى: «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ»، وكانَ من عِظَمِ شأنَها أنَّهُ سبحانَهُ أوصى بها الأنبياءَ والمرسلينَ، قالَ عيسى عليه السلام: «وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا».
وتوعَّدَ مَنْ مَنَعَهَا فمنعُ الزكاةِ سببٌ لذهابِ البركةِ من الأرض، قال: «ما منعَ قومٌ الزكاةَ إلا ابتلاهمُ الله بالسنين» وقال تعالى: «ولم يمنعوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنعوا القطرَ من السماءِ ولولا البهائمُ لم يُمطروا».
وقد فرضَ اللهُ سبحانه وتعالى عليكم الزكاةَ الأموال، إذا بلغتْ نصاباً منَ الذَّهبِ أوِ الفضَّةِ، فأمَّا نصابُ الذَّهبِ فإنَّهُ خمسةٌ وثمانونَ جراماً من الذَّهبِ الخالصِ، وهو بسعرِ اليومِ يعدلُ نحواً من ألفٍ وتسعمائةِ دينارٍ، ونصابُ الفضَّةِ خمسمائةٍ وخمسةٌ وتسعين جراماً، وهوَ بسعرِ اليومِ يعدلُ نحواً من مائتي دينارٍ، فمن ملكَ نصاباً ومرَّتْ عليهِ سنةٌ كاملةٌ وجبَ أن يُخرجَ منهُ ربعَ العشرِ، أيِ اثنينِ ونصفٍ بالمائةِ، وذلكَ بقسمةِ المالِ على أربعينَ، فزكاةُ الألفِ خمسٌ وعشرونَ، وزكاةُ المائةِ دينارانِ ونصفٌ.
ومن كانتْ لهُ تجارةٌ حالَ عليها الحولَ فإنَّهُ يحسبَ قيمةَ بضاعتِهِ بسعرِ اليومِ، ولا يُدخلُ في ذلكَ قيمةَ المكانِ أوِ الآلاتِ، وتُضمُّ قيمتُها إلى ما عندهُ من مالٍ، ويخرِجُ من الجميعِ ربعَ العُشْرِ.
والمالُ المتجدِّدُ كالرَّاتبِ إن بلغَ نصاباً وحالَ عليهِ الحولُ وجبَتْ فيهِ الزَّكاةُ، ويجوزُ للموظَّفِ أنْ يُخصِّصَ شهراً لزكاتِهِ يزكِّي فيهِ جميعَ مالِهِ، ولوْ كانَ بعضُهُ حديثاً لمْ تمرَّ عليهِ سنةٌ.
وعلى مَنْ وجبتْ في مالِهِ الزَّكاةُ المبادرةُ إلى إخراجِها، ويدفعُها إلى مستحقِّيها من الأصنافِ الثَّمانيةِ التي ذكرَها الله في كتابِهِ فقالَ: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ».
ويعطى الفقيرُ كفايتَهُ لعامٍ كاملٍ، ويجوزُ تفريقُ الزَّكاةِ بينَ أكثرَ من مستحقٍّ، وكلما كانت أنفعَ كانت أفضلَ عندَ اللهِ.
ومباشرةُ إعطائِها للفقيرِ أولى، لما فيهِ من زيادةِ التَّعبُّدِ، والتَّعرُّفِ على الفقراءِ والمحتاجينَ، ويجوزُ التوكيلُ في إخراجِها، بأنْ يوكِّلَ الإنسانُ من يثقِ بهِ من الأفرادِ أو المؤسَّساتِ والجمعيَّاتِ المعتمدةِ، التي يسَّرتْ أمرَ إخراجِ الزكاةِ عن طريقِ مواقعِها الإلكترونيَّةِ وتطبيقاتِها الهاتفيَّةِ، حتى صارَ إخراجُ الزَّكاةِ لا يَستغرقُ سوى دقائقَ معدودة، فأنفقوا يا عبادَ اللهِ، «وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا».
* قسم البحوث وشؤون المساجد - إدارة الأوقاف السنية