حسن الستري - تصوير: نايف صالح


اضطررت إلى دراسة الفيزياء والرياضيات كي أعمل بالموانئ..

«وش لك بهالسوالف».. هكذا قالوا لي حين قررت الترشح للبرلمان لأول مرة

والداي تابعاني في كل صغيرة.. والدراسة في جيلنا كانت «تربية وتعليماً»

عملي بالبحر أفادني كثيرا في حياتي.. وجعلني قوياً بمواجهة الأزمات

دعيج بن خليفة صاحب الفضل في استكمال دراستي ببريطانيا

من يعملون بالإرشاد البحري حالياً بحرينيون لأن الإدارة حينها دعمت البحرنة


ترون في الأفلام كيف أن السفينة يرفعها الموج عالياً ويهبط بها مرة واحدة، وتعتقدون أن ذلك ضرب من أفلام الرعب، لكني عشت ذلك بتفاصيله في عرض البحر.

هذا ما رواه النائب السابق عبدالرحمن بومجيد ضمن سرده مشوار حياته في حديثه مع «الوطن»، مشيراً إلى أنه نشأ في منطقة أم الحصم ودرس بمدارس البحرين، وبعد انتهاء دراسته وتخرجه التحق بالعمل في الموانئ، إلا أن طموحه للترقي جعله يواصل دراسته، متحديا ضرورة دراسته مادتي الرياضيات والفيزياء رغم أنه خريج المسار الأدبي.

ويقول بومجيد إن المرحوم الشيخ دعيج بن خليفة آل خليفة رحمه الله هو صاحب الفضل في استكمال دراسته ببريطانيا، لافتاً إلى أن كل من يعمل في الإرشاد البحري حالياً بحرينيون لأن الإدارة حينها كانت تدعم البحرنة، وتشجع كل من يرغب في الدراسة، مؤكداً أن عمله بالبحر قد أفاده كثيرا في حياته، وجعله قويا في مواجهة الأزمات.

أما عن تجربته في العمل البرلماني، فقال بومجيد إن البعض حاول ثنيه عن الترشح حين قرر الترشح للبرلمان لأول مرة وقالوا له «وش لك بهالسوالف»، وفي حين رفض التحدث عن إنجازاته كنائب، وقال إنه يكفيه أن الأهالي مازالوا يذكرونه بالخير حتى الآن.

وفيما يأتي نص الحوار:

لنبدأ بنبذة عنك وعن دراستك؟

- أنا من مواليد المنامة، وسكنت في أم الحصم، وفيها نشأت وتعلمت، حيث درست الابتدائية في مدرسة أم الحصم للبنين، وكانت المدرسة القديمة مطلة على البحر، وفي الصف الثالث الابتدائي انتقلنا إلى المدرسة الجديدة التي تقع عند الصالة الرياضية حالياً، وأذكر أننا كنا نخرج نتمشى صباحاً، وبالنسبة لنا كان برنامجاً جميلاً. وفي المرحلة الإعدادية درست في مدرسة القضيبية للبنين، ودرست الثانوية في مدرسة الشيخ عبد العزيز بالعدلية، القسم الأدبي.

حدثنا عن نشأتك مع الأسرة؟

- كنا ستة أبناء وبنت واحدة، وترتيبي بينهم الثالث، أمي وأبي كانا حنونين، متابعين لنا في كل شيء، كما أن منطقة أم الحصم صغيرة، والعوائل والأهالي فيها متماسكون، والكل يعرف الآخر، وهذا ينعكس بشكل عام على التربية.

ماذا عن تعامل المدرسين معك؟

- كان تعاملهم سهلاً وبسيطاً وممتعاً مع الطلبة، وكان هناك مدرسون لا يتعاملون إلا بالعصا، ولا أنسى مدرس الرياضيات الذي كان يضربنا إذا لم نحفظ جدول الضرب. كما أن المدرسين كانوا يعرفون أهالينا، وعلاقتهم قوية بهم، وكان الأهالي يعطون المعلم الصلاحية، اضرب ابني كأنه ابنك، لم نشهد في أيامنا ولي أمر يأتي إلى المدرسة معاتباً المعلم لأنه ضرب ابنه أو وبخه، كانت الدراسة فعلاً بها تربية وتعليم، بخلاف ما هو حاصل الآن.

وأين كانت محطتك بعد الثانوية؟

- بعد التخرج قدمت أوراقي للعمل في الموانئ، أيام المرحوم الشيخ دعيج بن خليفة آل خليفة، وتم قبولي في البداية كقائد قاطرة، وبعد 9 أشهر من العمل، كانت لدي رغبة في العمل كمرشد، فرفعت خطاباً إلى الشيخ دعيج، وكانت هذه الوظيفة تتطلب دراسة، فوافق رحمه الله على أن ألتحق بهذا التخصص. ولكني واجهت مشكلة، فهذا التخصص يتطلب أن أكون قويا بالفيزياء والرياضيات، والمشكلة أنني خريج المسار الأدبي، ما يعني صعوبة هذا التخصص، ولكني أبديت استعدادي، فقالوا لي سنعطيك فرصة 3 أشهر لتثبت نفسك، وسنرى بعدها.

في الفترة الأولى أخذوني للعمل في البحر كمراقب على السفن التجارية مدة معينة، وهذه الدراسة كانت مكلفة يومها، لذلك وضعوني تحت التجربة فترة مؤقتة لأثبت نفسي، خرجت على مراكب كبيرة، كنا نذهب مع شركة بحرينية للسفر إلى رأس الخيمة، وكانت حينها الحرب العراقية الإيرانية، وسميت تلك الفترة بحرب الناقلات، كنا نسافر ونحن متخوفون من أن يتم ضربنا، وعُرض علي الرجوع والاستقرار بالبحرين، ولكني رفضت وأصررت على المواصلة، وكان هدفي من مرافقة السفر إلى الإمارات معرفة قدرتي على تحمل الغربة، قبل ابتعاثي إلى بريطانيا، واستفدت كثيرا من رحلاتي إلى الإمارات، وخصوصا أن أغلب الموجودين على المركب كانوا فلبينيين ما ساعد في تقوية لغتي الإنجليزية.

ومتى ذهبت إلى بريطانيا؟

- في عام 1990 جاء القبول من الجامعة البريطانية، بشرط أن أجتاز اختبارات الفيزياء والرياضيات.

ذهبت إلى بريطانيا، وكنت أعتقد أن الوضع يشبه السفر إلى رأس الخيمة، ولكن الأمر كان مختلفا جدا، خرجنا على شركة الملاحة العربية المتحدة، التي كانت من أفضل الشركات، وكانت الرحلة على المركب تصل إلى 6 أشهر تقريبا، ثم نأخذ إجازة شهراً، تخيل 9 أشهر على مركب في وقت لا يوجد فيه وسائل تواصل اجتماعي ولا حتى إنترنت، أما رحلة الإمارات فكانت تستغرق 3 أيام.

خرجنا على مركب إلى دبي، ومن دبي إلى بومبي، ومن بومبي إلى البرازيل، ولا يوجد لدينا من وسائل الترفيه إلا السينما التي كانت تفتح مرة واحدة في الأسبوع. وكانت المسافات طويلة ومتعبة، ولكن مع الوقت بدأنا نتأقلم قليلا، ثم حان موعد تقديم امتحان الفيزياء والرياضيات، لكي أتأهل لأكون ضابطاً بحرياً. واستعنت بالزملاء الذين لديهم إلمام بالرياضيات والفيزياء ليشرحوا لي، وقدمت الامتحانات، واستلمت النتيجة بعد شهر ونصف، بقيت فيها على أعصابي.

وماذا فعلت بعد التخرج؟

- تخرجت عام 1994، وعدت إلى البحرين للعمل كقائد قاطرة متدرب لكي أكون مرشداً، ولكن الرغبة في مواصلة الدراسة كانت جامحة لدي، فقدمت خطاباً للشيخ دعيج أطلب فيه مواصلة دراستي، فاستدعاني إلى مكتبه، وقال لي أنت متخرج حديثاً، فأجبته: هذا أفضل، فالمعلومات مازالت موجودة في رأسي، فوافق الشيخ رحمه الله على استكمال دراستي.

الإدارة في ذلك الوقت كانت تدعم البحرنة، وتشجع كل من يرغب في الدراسة، لذلك ترى اليوم أن الإرشاد البحري عندنا في البحرين كلهم بحرينيون.

وكيف كانت دراسة الماستر؟

- كان دراسة الماستر تتطلب العمل على المراكب التجارية لمدة 18 شهراً لكي تتأهل للاختبارات واستطعت الحصول على الماستر عام 2000.

- صف لنا حياة البحر؟

- العمل متعب، وبه تحديات كثيرة، تكون أنت المسؤول عن مركب قيمته مئات الملايين، وعليه بضاعة تفوق ثمنه، إضافة إلى الأرواح التي فيه.

ترون في الأفلام كيف أن المراكب تصعد وتنزل إذا ارتفعت الأمواج، وتعتقدون أنها مجرد أفلام رعب دراماتيكية لا تحدث في الواقع، هذه أمور رأيناها بأنفسنا، رأينا كيف ترتفع السفينة عالياً وتهبط بقوة الأمر الذي يؤدي إلى تناثر البضائع. وظيفة متعبة، ولكن تولد عندك خبرات كبيرة في تعاملك مع مختلف شرائح المجتمع، وتجعلك شخصاً مختلف الثقافات، تعلمك الاعتماد على النفس.

وفي عام 2000 تخرجت وداومت في البحرين كمرشد بحري، نذهب صباحا ونعود مساء.

كيف كنتم تعلمون بأخبار الطقس؟

- كان لدينا جهاز نستلم عليه تقارير بشكل يومي، يبين لك أنه سيكون هناك منخفض جوي، وأين ستكون نقطة التلاقي مع الإعصار لكي نتجنبه.

شهدنا حالات يرتفع فيها الموج إلى أضعاف ارتفاع السفينة، ما يجعل السفينة تتماهى، وتحدث إصابات، بعضهم كسرت يده.

كيف كنتم تحددون أماكنكم؟

- طبعا لم يكن لدينا جهاز تحديد الخرائط الموجود اليوم على كل هاتف نقال، كنا نعتمد على الشمس ونعتمد معادلة رياضية الخطأ فيها وارد بنسبة لا تتجاوز 20%، لذلك أحيانا قد لا نستطيع تفادي الأعاصير بما هو مطلوب.

وماذا عن حياتك الاجتماعية؟

- تزوجت عام 2003، لأنه كان يتعذر علي الزواج قبل ذلك، إذ ليس من الممكن أن أغيب عن زوجتي أشهراً، ويصعب علي أخذها معي على المركب كما يفعل البعض؛ فالحياة على المراكب كأنك في سجن كبير، ليس لديك أي خيارات إلا زيارة موانئ، ولا يوجد أي وسيلة ترفيه.

أما في البحرين فنحن فقط نصعد على المركب القادم للبحرين لمرافقته إلى الميناء، وينزل بضاعته، ثم نصعد عليه مرة أخرى لمرافقته لكي يخرج.

حدثنا عن نقابة عمال الموانئ البحرية؟

- شكلناها بشكل غير رسمي؛ لأن القانون لم يكن يسمح بتشكيلها بشكل رسمي، تواصلنا مع الاتحاد العام للنقابات، وكانت الإدارة تتعاون معنا.

وكنت الأمين المالي للنقابة، واستمر العمل في الموانئ إلى عام 2006، اذ تم طرح موضوع خصخصة قطاع الموانئ، كنا كمرشدين بحريين نفكر ما هي البدائل، وبعد اجتماعات مع الإدارة، وعدتنا إما بشراء سنوات وإحالة إلى التقاعد لمن يرغب، وبإمكانه العمل بالشركة المشغلة، أو بنقلنا إلى جهات حكومية أخرى. وطبعا الخيار المناسب لي كان التقاعد والعمل بالشركة، ولكن بنفس السنة خضت الانتخابات النيابية وحالفني التوفيق، فلم أعمل معهم.

ما الذي دفعك لخوض الانتخابات النيابية؟

- كنت متابعاً للحراك البرلماني بالفصل التشريعي الأول، ولأنه نما إلى علمي عدم توجه نائب المنطقة أحمد بهزاد لإعادة ترشحه، قررت الترشح، وطبعاً تشاورت مع المواطنين بالدائرة، منهم من شجعني، ومنهم من حاول أن يثنيني قائلاً: «وش لك بهالسوالف».

وبدأت أكثف متابعاتي، كما أن النائب أحمد بهزاد كان خير داعم لي، وطبعا عملي بالبحر أفادني كثيراً، وجعلني قوياً في مواجهة الأزمات.

انضممت إلى كتلة المستقبل عام 2006، وكتلة المستقلين الوطنية عام 2010، ثم الكتلة الوطنية عام 2014، كيف كانت تجربة الكتل؟

- من الصعب على النائب أن يعمل مستقلاً، لا بد من التكتل والتنسيق والتحالف مع النواب لإنجاز الأعمال المطلوبة.

بقيت مدة 3 فصول تشريعية بلجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني، لماذا لم تحاول تغيير لجنتك؟

- بحكم تخصصي وخبرتي، كانت لجنة الخارجية الأنسب لي، ومن البديهي أن أتوجه لها، كما أنني لست من النواب الذين يريدون تغيير اللجنة كل دور، فالعمل النيابي خبرة تراكمية، حين تركز عملك في لجنة معينة، فهذا يعني أنك تكون ملماً بجميع القوانين التي صدرت.

دخلت أيضا لجنة حقوق الإنسان، وهذه اللجنة يرتبط عملها بلجنة الخارجية أيضاً.

ماذا حققت خلال عملك النيابي؟

- لا أستطيع التحدث عن إنجازاتي، ولكن يكفيني أن الأهالي مازالوا يذكرونني بالخير.

لماذا إذن لم يحالفك الحظ بانتخابات 2018؟

- كان المزاج العام للمواطنين يومها هو التغيير، لذلك لم يفز بهذه الانتخابات سوى 3 نواب من مجلس 2014.

- ولماذا لم تعاود الترشح بانتخابات 2022؟

وجدت في الأشخاص الراغبين في الترشح الكفاءة اللازمة، لذلك فضلت عدم خوض هذه الانتخابات، وترك المجال لهم.

صف لنا حياتك بعد البرلمان؟

- الآن أصبح لدي وقت أكثر أقضيه مع أبنائي، كما أن الشركة المشغلة للموانئ طلبتني للعمل لديها، والحمد لله، أنا مرتاح.

كم عدد أفراد أسرتك؟

- لدي بنتان وولدان، الكبرى بالجامعة، والبقية بالمدرسة.