أميرة صليبيخ


أثناء متابعتي لمسلسل The leftovers الذي تدور أحداثه حول اختفاء 2% من سكان العالم في التوقيت ذاته بشكل غامض وغريب، استوقفني كثيراً خطاب ألقته إحدى الزوجات في الاحتفالية السنوية المقامة لإحياء ذكرى المفقودين.

هذه السيدة هي أكثر سكان البلدة تضرراً حيث فقدت عائلتها بالكامل ولم يبقَ منها أحد. تتذكر هذه السيدة اليوم الذي مرضت فيه هي وزوجها وطفلتاها وبقوا مستلقين جميعاً في السرير مع بعض وهم في حالة مزرية.

كانت تتمنى لو يعود هذا اليوم السيء، فقد اكتشفت أن ذلك اليوم كان واحداً من أفضل أيام حياتها، لكنه كان يبدو في حينه يوماً عادياً مثل بقية الأيام.

نحن البشر نعيش أياماً عادية كثيرة متناسين أن (عادية) هذه الأيام إنما هي نعمة عظيمة من الله لأننا نتقلب فيها بخير وستر وعافية وصحة ورزق. ننسى في غمرة النعم أن نشكر الله عليها وكأنها أمر حتمي ومضمون للأبد. تتعود أعيننا عليها وننسى أن الله هو من ساقها إلينا. تتراكم النعم وتزداد بفضل الله ونحن في غفلة عن شكر مصدر هذا الرزق. ولا ينتبه الإنسان لهذه النعمة حتى تزول من بين يديه، عندها ينخر قلبه الندم ويتذكر أنه كان في غفلة عن الشكر والامتنان لله وأنه لم يؤدِّ واجبه تجاه الرازق الوهاب. النعم تدوم بالشكر، وما ترغب في دوامه وزيادته عليك أن تكثر الشكر لوجوده.

ومع حلول الشهر المبارك تكون الفرصة عظيمة ومواتية من أجل التركيز على شكر نعم الله، ولكن عليك تدريب نفسك ليكون الامتنان عادة ذهنية يومية تمارسها في كل حين حتى تصبح أكثر إيجابية وتركيزاً على الخير بدلاً من التذمر واستحضار النواقص فقط.

يقول فرانك كلارك «إذا لم يكن الشخص ممتناً إلى ما يملكه الآن فمن غير المرجح أن يمتن لما سيحصل عليه» ذلك لأن الامتنان ينبع من القلب الذي يستحضر اللحظة ويقّدر النعم جيداً. ويمكن للجميع اكتساب هذه المهارة مع الوقت بالممارسة. يقول نعومي ويليامز «من المستحيل أن تشعر بالامتنان والاكتئاب في اللحظة نفسها» فالشكر علاج أيضاً إضافة إلى أنه سبب لتكاثر الخيرات من حولك، كما أنه يغير حياتك وطاقتك وفكرك للأفضل. وتقول الدراسات إن «الشكر يؤثر على الدماغ ويقوي جهاز المناعة ويؤثر على العمليات الدقيقة في العقل الباطن».

الشكر واحدة من أعظم العبادات وأبسطها وأحبها إلى الله وهي سبب لتقربك منه ورفع منزلتك. فهل ستسنى اليوم أيضاً أن تؤدي شكر يومك؟