أميرة صليبيخ
تثيرني بعض المواقف اليومية المتكررة، وتجعل الحمم البركانية الخامدة بداخلي تنفجر، خصوصاً أثناء قيادة السيارة في شوارع مزدحمة، وتكرار الوقوف والانتظار أمام الإشارات الضوئية، وتجاوز بعض السواق لبعض، وتعمدهم تجاهل قواعد الاحترام والذوق العام، مما يسببون «ربكة» نحن في غنى عنها، فيبدأ صبري بالتآكل وأعصابي بالتلف أما شياطيني فأراها تتقافز أمامي شامتة على حالي.
وحتى لا أكون ضحية للظروف الخارجية، تاركةً الغضب يلهو بي كيف يشاء، أجبرت نفسي وطوعّتها للتأقلم مع مثل هذه الأوضاع، حتى لا تستثار أعصابي بشكل مستمر، ففي حال ظهور (المثير) لن تكون هناك أية ردة فعل، وبذلك أكون قد نزعت من المثير خاصة التأثير فلن يقدر علي. هذه حيلتي النفسية في التعامل مع الظروف الخارجية المزعجة وحتى أحرمها من قدرتها على الإضرار بي. ففي النهاية (الغضب) إنما هو حالة عقلية مؤقتة وأنت من يستطيع التحكم بها، وهنا تظهر مسؤوليتك أمام الآخرين.
أنت صمام الأمان لنفسك، أنت المتحكم الوحيد بها، فلا تلوم تهوّر السواق ورعونتهم، ولا حرارة الجو ولا زحمة الشوارع، لأنك بذلك تتنصل من مسؤوليتك الذاتية عن نفسك. أنت وليّ مشاعرك وليس الآخرين، ومتى ما استوعبت هذه الحقيقة وفهمت الدرس جيداً ستتوقف عن لوم الآخرين، وستصبح نوبات الغضب والعصبية أقل، وستكون أكثر هدوءاً وسَكينة، وكأن ما يحدث في العالم الخارجي لا يعنيك.
الغضب كلبٌ مسعور وجائع. ما أن تسمح له بالانفلات فلن يقف شيء في وجهه، سيلتهم فريسته ولن يهدأ حتى يشبع. الغضب يلتهمك أنت أولاً، يأكلك من الداخل، يوثق أنيابه فيك ويفترسك، وما أن تسترجع الموقف في ذاكرتك حتى تزداد حدة أنيابه وتشبثه فيك. وإن لم تتغلب عليه في حينه فستكون أنت أول ضحاياه. فالغضب لا يدمر صحتك النفسية والجسدية فقط، بل حرفياً قد يقتلك. فهو يتلف القلب والدماغ ويتسبب في ارتفاع ضغط الدم والإصابة بجلطة. فهل هناك شيء يستحق أن تموت من أجله في نوبة غضب؟
الحياة أقصر من أن تقّصرها بغضبك وهيجانك على الأمور السطحية. تعلم أن تتمالك نفسك في كل موقف، وأن تتنفس بعمق. جرب أن تضحك من الأمور التي تغضبك، ستدرك أنها لم تكن تستحق هذا العناء. وتذكر أن أعظم جزاء ستناله لو ألجمت غضبك وكبحت جماحه، هو ما جاء في هذه الآية الكريمة «وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ». فهذا هو أفضل دافع لكبح الغضب.