م. صبا العصفور


بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب الأراضي التركية والسورية مطلع شهر فبراير، وما خلّفه من مآسٍ إنسانية نراها عبر الفضائيات، يطالعنا العديد من الضحايا والمنكوبين بتسجيلات صوتية ومرئية عن محن شخصية يدمي لها القلب عاشوها وصارعوها. فما يمرّ به هؤلاء المنكوبون يستحق التأمّل والتفكّر، فمن نجا منهم من هذه الكارثة بفضل الله، إلا أن آلامهم ستستمر لبقية حياتهم، فهم وإن تجاوزوا الموت إلا أن الموت قد خطف منهم أحباباً وأقارب وأصحاباً، وسحق ذكريات عاشوها وأوقاتا عاصروها وآمال بنوها في تلك الأماكن ومع هؤلاء الناس.

هذه الحادثة المؤلمة لم تؤثر في ضحاياها فحسب وإنما على كل من له قلب يشاهد أخبار العالم، وجعلته يعيد التفكير في مجريات حياته وأولوياته وخياراته، فقد شاهد بأمّ عينيه كيف للمرء أن يخسر كل ما عمل واجتهد لأجله لسنوات في لحظة واحدة، وقد يفقد أسرته أو صحته أو مقتنياته في غمضة عين، فيتساءل: ما الذي بقي له من ذلك كله؟

استوقفتني عبارة لإحدى المتابعات على وسائل التواصل الاجتماعي أقتبس منها: «الحياة لا تستحق أن نكذب أو ننافق من أجلها، هي أسخف من أن نفقد احترامنا لأنفسنا بسببها، الصدق أعظم الفضائل، ما نفعله للآخرين من خير هو كنزنا الحقيقي، هو سبب وجودنا حقيقةً الذي يبقى ويستمر هو الخير الذي نصنعه في حياتنا، وهو الباقيات الصالحات، فلا ندم على موقف وفاء ولحظة مروءة وجبر خاطر، ففرصة الحياة من جديد تعيد لأذهاننا صورة قرآنية «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ» فها هي الفرصة قد حانت ليستثمرها العاقل ليصلح، ورب العباد قد قرع جرس إنذار للغافل ليرشد، فهل يكرر أخطاءه السابقة أم يتعلم منها؟.

العمر محدود والحياة قصيرة، ولا ضمان لفرص أخرى للتصحيح، وبدلاً من انتظار الزلزال وعيش الحسرات، فلا يفوّت أحدنا دقيقة جفاء وبغضاء، أو نترك قلوبنا تمتلئ بالموجدة والخصام، لنبادر بصلة الأرحام وبذر الخير ومكارم الأخلاق.

فقد اهتزت الأرض وتزلزلت، ألا تستحق ضمائرنا زلزالاً لتصحو؟