سماهر سيف اليزل
فخرية شبر: عقد جلسات تنفيس انفعالي للمتنمر واحتواؤه وتجنب لومه
التفكك الأسري والتفرقة بين الأبناء والحرمان العاطفي من أسباب التنمر
تفعيل البرامج العلاجية لتأهيل المتنمر والمتنمر عليه
فقدان الشهية والأفكار الانتحارية وتدني التحصيل الدراسي مؤشرات على وقوع التنمر
التنمر مشكلة كبرى تعاني منها مختلف المجتمعات في شتى أنحاء العالم، وهو يأتي بصيغ وأشكال متعددة وفي مراحل عمرية مختلفة، ولعل أخطرها هو التنمر في المدارس وأثناء مرحلة الطفولة، لما له من آثار صحية عميقة قد تستمر إلى مراحل متقدمة من الحياة.
وتناقش «الوطن» عبر ملحق «الأسرة» قضية التنمر من حيث أسبابه وعواقبه والحلول التي يمكن أن تقلل منه من خلال خبراء ومختصين. ويرى هؤلاء أن التنمر هو «القاتل الخفي» الذي يسير بيننا آخذا أرواح الأفراد وطموحهم ومدمرا لنفسياتهم، معتبرينه الناشر الأول لعدد من الأمراض النفسية، والمسبب للندبات الداخلية يحملها الشخص منذ صغره حتى شيخوخته.
كما أكدوا ضرورة تكاتف الجهود وتعزيز كل الوسائل الرادعة لدرء الظاهرة والحد من انتشارها وتكاثرها، وخاصة أن مشاكل التنمر في العالم وصلت إلى القتل والانتحار، ما يستدعي وقفة على الأمر.
وتقول المكلفة بالإشراف على أعمال مركز حماية الطفل فخرية السيد شبر إن تأثير التنمر يشمل ضحايا التنمر والمتنمرين أنفسهم والمتفرجين، فقد بينت الدراسات أن آثارها متعددة الجوانب؛ فآثارها على التعليم تؤدي إلى القلق وانخفاض المستوى الدراسي والتجنب المدرسي، أما في الجانب الاجتماعي فنرى انخفاض تقدير الذات وانتشار العدوانية والغضب والإحباط والتفكير في الانتحار والشعور بالفشل وكراهية الذات، وعزلة اجتماعية وفقدان الشهية، وانتشار السلوك المعادي.
وأوضحت شبر أن التنمر ينقسم إلى عدة أنواع، منها التنمر اللفظي وهو عبارة عن التلفظ بألفاظ مهينة أو وصف الآخرين ومناداتهم بأسماء سيئة والسخرية منهم وتهديدهم، والتنمر الجسدي وهو إيذاء الشخص جسدياً من خلال إيذائه وضربه في جسده سواء باليد أو بأدوات أخرى، أما التنمر الاجتماعي والعاطفي الذي يعني إيذاء الشخص معنوياً من خلال عزله وإجبار الآخرين على تركه ونشر الشائعات والأكاذيب عنه، والتنمر الجنسي وهو إيذاء الشخص باستخدام ألفاظ جنسية وملامسات غير لائقة، أما التنمر الإلكتروني فهو الذي يتم عن طريق استخدام المعلومات ووسائل التواصل عن طريق الرسائل أو الاتصالات كتنفيذ تصرف عدائي الهدف منه إيذاء الآخرين.
وشددت على أن عواقب عدم التصدي للتنمر يمكن أن تؤدي إلى دخول المتنمر إلى عالم الجريمة والانحلال الأخلاقي، وإلى مراحل متقدمة من انتشار العنف والعدوان وظهور بيئة مدرسية تتسم بعد الأمان والاحترام.
وأوضحت شبر أن هناك أربعة أسباب رئيسية للتنمر، منها أسباب متعددة يأتي في الجانب الأول الأسباب الذاتية المتعلقة بشخصية الفرد المتنمر والمتنمر عليه، بالنسبة للمتنمر السبب في إيذائه للآخرين أولا قد يكون سلوكاً طائشاً بسبب عدم إدراكه للعواقب، كما قد يكون بسبب الغيرة والعدوانية والغضب أو استعراض الشخصية، والشعور بالإحباط الناتج عن عدم إشباع الحاجات الأساسية فتكون دافعاً لارتكاب سلوكات عدوانية كنوع من التنفيس عن الحاجات، كما قد تكون أيضاً شخصية المتنمر قوية وذات تقدير عال خاطئ، وقد يكون ناتجاً عن اكتساب الطفل سلوكات عدوانية من الألعاب الإلكترونية.
أما بالنسبة لضحية التنمر فهو قد يكون ضعيف الثقة بالنفس ولديه نقص في بعض المهارات الاجتماعية وقلة الأصدقاء، ويميل إلى العزلة، ويعاني أحيانا من القلق والخجل، كل هذه الخصائص تجعله عرضة للتنمر.
ثاني الأسباب أسري ويندرج تحت المشاكل الزوجية والخلافات بين الزوجين، والطلاق والتفكك الأسري، والأخطاء التربوية التي يمارسها الوالدان تجاه أطفالهم، سواء القسوة المفرطة أو التدليل المفرط، والتفرقة بين الأطفال والإهمال والتجاهل وغياب الحوار والإرشاد وعدم إشباع الحاجات الأساسية لهم والحرمان العاطفي والمادي وعدم متابعة السلوك وتدني دخل الأسرة. ثم تأتي الأسباب والعوامل المدرسية، وهي تشمل السياسة التربوية في المدارس وثقافتها في التعامل مع الطلبة، ودور المعلم وعلاقاته مع الطلاب وأساليب الثواب والعقاب، وضعف العلاقة بين الأهل والمدرسة والتمييز بين الطلاب، وغياب بعض الأنشطة المستهدفة للميول والقدرات، كما أن ضعف التحصيل الدراسي واختلاف التوازن في الأنظمة وعدم تفعيل القوانين واللوائح داخل المدرسة بالشكل الصحيح دافع لارتكاب سلوك التنمر، وأخيرا الأسباب الاجتماعية المتمثلة في الأسرة والمجتمع والإعلام وبرامج التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية وأفلام السينما قد تؤدي إلى انتشار العنف والتنمر؛ لما لها من تأثير مباشر على سلوك الأطفال والمراهقين.
وبينت شبر أن هناك العديد من المؤشرات أو العلامات الدالة على وقوع التنمر أو احتمالية وقوع تنمر، وهي وجود آثار ضرب متكرر، وخوف الطفل من ارتياد بعض الأماكن، وادعاء متكرر بضياع المصروف أو الأكل في المدرسة، والبقاء في الصف وقت الفسحة، وظهور مشاعر التوتر والخوف والحزن، وفقدان الشهية، وأن يكون لديه أفكار انتحارية، وتدن مفاجئ للتحصيل الدراسي، والبقاء في المدرسة وقت الانصراف.
وحول كيفية التصدي لهذه الظاهرة وما الطرائق التي يمكن اتباعها قالت شبر: «التصدي لهذه الظاهرة مسؤولية كبيرة تقع على الجميع لمعالجتها والحد منها، ويتطلب ذلك التعاون مع كافة الأطراف أهمها المدرسة والأسرة والمجتمع لخلق ثقافة احترام الآخرين وعدم إيذائهم وتعزيز لأهم مبادئ وتعاليم الدين والقيم الإسلامية».
كما يجب أن تكون هناك برامج وقائية ونمائية لتدريب الأطفال على المهارات والأنشطة الاجتماعية ومهارات حل النزاع والتوسط بين الأقران ومهارات حل المشكلات ومهارات تكوين الأصدقاء والإقناع بعدم ممارسة التنمر، وغرس قيم التسامح والاحترام والتعاون واحترام حقوق الآخرين، وتغيير نظرة المتفرجين لمواقف التنمر، وتوعية الطلبة في المدارس، ومشاركة أولياء الأمور في الجانب الإرشادي، وتطوير وتفعيل القوانين والإجراءات واللوائح في المدارس، ويجب العمل على إعداد دراسات لهذه الظاهرة؛ للعمل على معالجة الأسباب والآثار وزيادة الاهتمام بذلك للمتنمرين وضحايا التنمر.
وأشارت إلى أنه يمكن إعادة تأهيل المتنمر والمتنمر عليه من خلال تفعيل البرامج العلاجية والتأهيلية للمتنمر والمتنمر عليه، بالنسبة للمتنمر يجب تأهيله ضمن برنامج إرشاد فردي أو جماعي مع طلاب ارتكبوا نفس المشكلة، وذلك من أجل خفض سلوك الاستقواء لديهم، ومن أجل إعادة البناء المعرفي وتغيير الأفكار والمعتقدات غير العقلانية ومساعدتهم في التعرف على أفكارهم وقناعاتهم الخاطئة التي تؤثر في سلوكاتهم وتدفعهم للاستقواء، ومساعدتهم على اكتساب سلوك إيجابي جديد ومهارات تساعدهم في التعامل مع الآخرين، وتوعيتهم بمخاطر الاستقواء وآثاره، وإكسابهم القدرة على تحدي الأفكار الخاطئة، والكثير من المهارات التي يجب إكسابهم إياها، منها (مهارات التواصل مع الآخرين، ومهارات إدارة الغضب، ومهارات حل المشكلات ومهارات التعاطف مع الآخرين ومهارات الاسترخاء، والإرشاد والوعي الديني وتعزيز القيم الأخلاقية).
أما بالنسبة للمتنمر عليه فيجب تقديم جلسات تنفيس انفعالي واحتواؤه والاستماع له وتجنب لومه أو استخدام أسلوب التحقيق معه، وطمأنته وإشعاره بالأمان، كما يجب ترك الطفل يسرد المواقف المؤلمة التي تعرض لها، والتعبير عما يشعر به من انفعالات سلبية وتشجيعه على القيام برسم وتمثيل ما جرى، كما يجب أن يحصل على بناء مهارات داعمة من الأهل والمدرسة، كتعزيز الثقة بالنفس لديه وتدريبه على مجموعة من المهارات الذاتية، وطرائق حماية نفسه من التنمر ومواجهة التنمر، وتثقيفه في هذا الجانب وأنه يضع حدوداً مع الآخرين.