أميرة صليبيخ
عندما تنتهي صلاحية الخبز، تبدأ لطخات من العفن بالانتشار فيه، وعندما تجد الرطوبة مكانها المناسب في شقوق الجدران، يبدأ العفن في النمو. أما الفاكهة المصابة فلا تحتاج سوى لأيام حتى تنقل العدوى لمثيلاتها. وبالنسبة للنباتات التي تُغرقها بالماء ففي الغالب تصاب جذورها بالعفن وتمرض وتموت. كل الأشياء قابلة لأن تتعفن، وكذلك الحال مع المعلومات التي تحملها في عقلك، فقد تصاب بالعفن أيضاً.
ولكن كيف تحدث عفونة المعلومات؟ العفن الذي نعرفه يحدث نتيجة تواجد الجراثيم في وسط رطب ودافئ وفق ظروف معينة تجعلها تحتضن هذه الجراثيم وتسمح لها بالتكاثر، أما عفن المعلومات فهو ناتج عن كثرة المعلومات التي تتعرض لها يومياً. تلك المعلومات التي لا تكون قادراً على هضمها ولا حتى فهمها أو تطبيقها. فيصبح عقلك حاوية كبيرة للمعلومات، ولكن في الوقت ذاته غير قادر على الاستفادة منها، لأنه مشغول في معالجة معلومات أخرى هائلة يتلقاها من العالم الخارجي، فتشيع الفوضى في رأسك وتضطرب أفكارك ويصبح كم المعلومات هذا عسير الهضم عليك وغير قابل للمحو. إنها موجودة هناك، أنت تدرك أنها موجودة ومع ذلك لا تستطيع فعل أي شيء حيالها. أنت عالق معها ولا سبيل للهروب منها. محشورة داخل رأسك ولا وجود لزر Delete لإزالتها مثل الحاسب الآلي.
وتحدث العفونة أيضاً، نتيجة الاحتفاظ بأفكار قديمة ورجعية، لم تقم بتحديثها أو حتى التفكير في مدى صحتها، فتظل عالقة في رأسك كحقيقة مطلقة وأمر مسّلم به، وكثيرون يعيشون وفق هذه الطريقة، يقبلون أفكار الآباء والأجداد دون إعادة للنظر في مدى صحتها دون بذل جهد لتفعيل عملية التفكير.
يبدأ العفن في التسرب إلى عقلك عندما يجد الوسط المناسب للنمو. عندما تُبقي المعلومات كما هي، عندما تحتفظ بها وترفض التخلص منها، فتبقيها في رأسك دون مساس، ودون أن تحاول أن تفيد الآخرين بها إن كانت مفيدة، ودون أن تحاول أن تمحصها أو تراجعها أو تحدثها، فتتعفن وتتآكل وتكون أنت أول المتضررين. فبالرغم من علمك وسعة اطلاعك إلا أنه لم ينفعك في شيء -للأسف- فلم تفد نفسك ولا مجتمعك.
كثيرون مصابون بهذا العفن دون إدراك منهم، ويظنون أنه من باب الحكمة أو الثقافة أن يكونوا ملمين بكل هذه المعلومات والأفكار والمواضيع. فتبدأ أفكارهم في أكل رأسهم وإفساده. وأفضل طريقة لحفظ رأسك من عفن المعلومات هو بكثرة القراءة والنقاشات الجدية مع الآخرين والعمل على فلترة ما يوجد بداخل رأسك بين حين وآخر.