أ. فضيلة حمّاد


سارع الأب إلى ابنه بخوف شديد ليخرج رأسه من الماء في حادثة كادت أنْ تكون نتائجها مخيفة لو لم يُلاحظها، فقد كان ابنه يلتقط أنفاسه بصعوبة، في ذات اللحظة تحدث معه، ليعرف سبب إقدامه على مثل هذا الأمر، لتكون الصدمة بأنه تحدٍّ منتشر في منصّات التواصل الاجتماعي، وهذا التحدي يدعو الأطفال للبقاء تحت الماء لمدة أطول. وبلغته البريئة يقول الطفل، «فكرتها لعبة حلوة» مثل ما شفتها على «التيك توك» ولكن خفت كثيراً لما جربتها.

معظم أبنائنا يحبون المشاركة في تلك التحديات لأنهم يحصلون على الاستمتاع والإثارة والحماس لخوضها دون التفكير في تبعاتها وخطورتها خاصة أن بعضها يُعرض بطريقة حلوة وطابع جميل كما ذكر الابن «فكرتها لعبة حلوة».

الموقف أعلاه ذكرني عندما كنا صغاراً وضمن الرحلات العائلية التي نستمتع بها هي الذهاب لبرك السباحة وكنا نتحفّز لنلعب اللعبة نفسها «فيمن يبقي رأسه في الماء لمدة أطول»، أتذكر كنت أدوخ وأرفع رأسي لأتنفس ولا أستطيع بعد ذلك إكمال ذلك، ولكن في نهاية الأمر تفوز إحدانا في تلك المسابقة. فكنا نستمتع في هذا التحدي ولم نعطِ مجالاً لتفكيرنا لمعرفة خطورته وتبعاته علينا. هو نفس التحدي ولكن في زمانين مختلفين «بين اليوم والأمس»، فما هو الفارق بينهما؟

إن تحدي «بقاء الرأس في الماء لمدة أطول» الذي كنا نقوم به كآباء عندما كنا صغاراً، هو التحدي نفسه الذي يُعرض على أبنائنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن الفارق بينهما أنه في زماننا كنا نقوم بالتحدي ونلعب في البركة ونحن محّاطون بالأهل، والأقارب على نحو مباشر، كما أننا نلعب من أجل اللعب لا من أجل الحصول على معجبين ومتابعين، أيضاً لا تطول مدة بقائنا لأننا نحدد وقتاً للانتهاء من هذا التحدي.

ولكن الآن وفي زمن أبنائنا يُعرض هذا التحدي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويجربه أبناؤنا في الغرف المغلقة وبدون وجود أشخاص محاطين بهم، كما أنهم يتعرضون لضغط الأصدقاء، واستقواء بعضهم مما يدفعهم للقيام به ليثبتوا لأنفسهم أنهم قادرون دون إدراك تبعاته وخطورته.

هناك أسباب كثيرة تُشجع أبناءنا للقيام بتلك التحديات، كحبهم للمرح والإثارة والحماس، وحب التجربة، فهي الدافع الرئيسي لإقدامهم عليها، «ففي حال تحدي الماء مثلاً، الطفل لديه فضول للتجربة وهو غير مدرك أن هذا الفعل به نسبة من الخطورة أو أنه قد يتعرّض للاختناق.

فأبناؤنا يواجهون موجة من التحديات الخطرة وغير القيمية، تُعرض بطرق جاذبة محفّزة لهم، وتبقى مسؤوليتنا في أن نكون قريبين منهم ومحاطين بهم، ونضع لهم معايير تساعدهم على التمييز بين التحدي الجيد والسيئ، بأن يسألوا أنفسهم هل التحدي به خطورة وضرر علي وعلى الآخرين؟ وهل به تقليل من شأن الآخرين وعدم احترامهم؟ والسخرية منهم؟ وهل يطورني معرفياً كاشتراكي في تحدي القراءة؟ وهل يحوي قيمة إنسانية كقيمة الصدق؟ كل هذا سيُساهم في قدرتنا على وقاية أبنائنا من المشاركة في التحدّيات الخطرة وغير القيمية.