رائد البصري


للأمثال الشعبية قصص تعكس ثقافات الشعوب، فهي المرآة التي نرى من خلالها معتقدات الشعوب وأفكارهم وتصرّفاتهم بل إنها قد ساهمت في تشكيل اتجاهات الشعوب وأنماطهم، مما جعل منها محوراً لاهتمام الباحثين في دراسة الثقافة الشعبية، ومن ضمنها الأمثال الشعبية وحديثنا اليوم عن مثل «كما تُدين تُدان» وهو نهج رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وفيه عبرة أكثر من كونه قصة.

ففي قديم الزمان تزوّج رجل وفي أول يوم من زواجه اجتمع هو وأمه وزوجته حول الطعام، فقدّم الزوج الطعام لزوجته العروس واهتم بها كثيراً، بينما قدّم لأمه شيئاً بسيطاً من الطعام وبلا أي اهتمام، وقد ساء الزوجة ذلك التصرّف من زوجها وكانت حكيمة وأصيلة، فقالت له: طلقني الآن، فاستغرب الزوج طلب زوجته العروس الطلاق وإصرارها عليه من غير أي سبب، بالرغم من أنه اهتم بها أكثر من أي أحد آخر.

فتوسّل إليها زوجها بأن تتراجع عن قرارها وقال لهـا مـا سببُ طلبك للطلاق؟ فقالت: إن العِرْق دسّاس ولا أريد أن أنجب منك ولداً وأُهان منه كهذه الإهانة التي أهنت بها أمك.

فقال لها: أنا اهتممت بك لأنك عروس جديدة وزوجتي فردّت عليه وهذه أمك التي أنجبتك، وأصرت على الطلاق فتطلّقت منه ورزقها الله زوجاً باراً بأمه ومرّت السنون وقد أنجبت منه الأولاد، وفي يوم كانت راحلة على ناقة وعليها هودج وكان أولادها يعتنون بالهودج حتى لا يميل بها، وفي الطريق شاهدت قافلة تمشي وخلفها يسير رجل كبير في السن حافي القدمين ولا يعتنى به فطلبت من أولادها إحضار هذا الرجل فإذا به زوجها السابق، فقالت له: هل عرفتني؟ فأجاب: لا فقالت أنا زوجتك السابقة، ألم أقل لك إن العرق دساس وكما تُدين تُدان؟

انظر إلى أولادي كم هم بارون ويعتنون بي وانظر إلى حالك، أين أولادك؟ لأنك أهنت أمك فكان هذا جزاءك.

على كل رجل وامرأة أن يتذكر جيداً هذا الكلام المقتضب والعبارة الرنانة البعيدة المدى «كما تُدين تُدان» وإن العرق دساس، وهكذا أصبحت القصة مثلاً شعبياً متدولاً ليومنا هذا.