صبا العصفور
في إحدى المحاضرات التي شاركت فيها مع مجموعة من طالبات المدارس بشأن الاستهلاك والإسراف، داخَلت إحداهن بالآية الكريمة (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) تأكيداً على هذا المبدأ وعقّبت: بأن الله لا يحب وليس صديقتي لا تحب أو أي أحدٍ آخر، فلا ينبغي معاملة محبة الله كما معاملة الآخرين.
أدهشني العمق الذي ذهبت إليه تلك الفتاة الصغيرة بعمرها والكبيرة بعقلها، فلم تمر عليها الآية كما مرّت عليّ، فهذه الآية الكريمة استحضِرُها باستمرار في القضايا المتعلقة بالبيئة من حيث إن الله أباح لنا استهلاك الموارد الطبيعية بالقدر المناسب فيما يقيم حياتنا وينمّي بلداننا بدون إسراف ولا تقتير طمعاً في رضاه وتنفيذاً لوصاياه بالاستخلاف على الأرض، ولم يخطر ببالي مقارنة محبة الله بمحبة غيره من الخلق في ذلك الموقع، وجعلتني أفكر في مفاصل حياتي الأخرى: أين يكون حرصي على محبة الله ورضاه في مقابل رضا غيره؟
فأنا أشتري الهدايا لأحبتي وأنتقيها حسب أذواقهم ورغباتهم، وقد يتعين عليّ البحث مطوّلاً كي أجد غايتي، بل وربما تكلفني مبالغ إضافية لتغليفها وتزيينها لإبرازها في أجمل صورة، لكن كم أبذل من الوقت في سبيل الإعداد لصلاتي وطاعاتي لله؟ وما مقدار الجهد الذي أتجشمه في مراجعة نواياي قبل المضي في معاملاتي؟ وهل أنتقي عباراتي في الدعاء والطلب من الله كما أفعل مع من حاجتي عندهم؟
كثيرة هي التساؤلات التي خطرت بذهني بعد تلك المداخلة، فهل كان الله عندي جلّ شأنه أهون الناظرين؟ أو اطمأنت نفسي إلى رحمته وشفقته عليّ؟ أو ركنت سريرتي إلى عِلمِه بها فلا أتكبد مشقة التعبير؟ وقد تمر علينا مواقف وعبارات كثيرة طوال اليوم ولكن لماذا القليل منها فقط تلامس شغاف قلوبنا، رغم أنها رسائل من الله؟ هل لنقص فينا أم قلة وعي منّا؟ أشكر الله كثيراً أن سخّر لي حضور تلك الفعالية لأسمع من تلك الفتاة ما يحيي قلبي وينير بصيرتي ويصحّح عيبي، كي أعود من غفلتي وأصوِّب نظرتي لمكانة محبة الله ورضاه في قبالة محبة ورضا عباده.