محمد إسحاق
نقل المؤلف روبرت غرين قصة جميلة ومعبرة في كتابه «كيف تُمسك بزمام القوة» عن الإوزة والحصان وفيها الكثير من العبرات التي سأسرد بعضها بإذن الله بعد القصة والتي جاء فيها:
«كانت إوزة تنقر في العُشب، للإهانة من حصان كان يرعى بجوارها. فخاطبته بلهجة فيها حسيس: إنني بالتأكيد أنبل وأكمل خلقًا منك؛ لأن كل مدى قدراتك وطاقاتك محصور في بيئة واحدة. فأنا أستطيع أن أمشي على الأرض جيداً مثلك، وبالإضافة إلى ذلك فإن لي جناحين أستطيع أن أرتفع بهما في الهواء، وأستطيع عندما أريد أن أرفه عن نفسي في البرك والبحيرات وأنعش نفسي بمياهها الباردة. إنني أتمتع بطاقات مختلفة كالتي تتمتع بها الطيور، والأسماك، وذوات الأربع.
فشخر الحصان لها بشيء من الاحتقار وقال ردًا عليها: صحيح أنك تسكنين في ثلاث بيئات. ولكنك لا تبرزين بشكل متميز في أي منها. صحيح أنك تطيرين، ولكن طيرانك ثقيل وأخرق وبلا رشاقة، فلا يحق لك أن تضعي نفسك على مستوى القُبَرة أو السَنونو، وتستطيعين أن تَسبحي على سطح المياه، ولكنك لا تستطيعين أن تعيشي فيها، كالأسماك. فلا تستطيعين العثور على طعامك في تلك البيئة، ولا الانسياب بنعومة على امتداد قيعان الأمواج. وعندما تمشين، أو بالأحرى تَتَهادين على الأرض بأقدامك العريضة، ورقبتك الطويلة الممتدة إلى الخارج، وتهسهسين على كل من يمر بك، فإنك تجلبين لنفسك احتقار كل من يراك. وأنا أعترف بأنني مخلوق لأتحرّك على الأرض فقط، ولكن كم هو رشيق شكلي! وما أجمل انفتال أطرافي! وما أكمل بناء جسمي كله وما أعظم قوتي وكم هي مذهلة سرعتي! إنني أفضل أن أبقى محصورا في بيئة واحدة أنال فيها الإعجاب، على أن أكون وزة على الإطلاق!».
انتهت القصة هنا، وقد قرأتها مراراً لما فيها من معنى جميل غاب بيننا ألا وهو التخصص وأهمية التركيز في مجال ما بشكل عميق والبروز فيه بدل التنقل بين المجالات والتشتت.
وكم هم الأشخاص المبدعين ممن أشغل الواحد نفسه في مشاريع ومبادرات عديدة تستنزفه وقد ضعف بريقه في مجاله وتخصصه الذي كان فيه مبدعاً بارزاً، ويصير الإنسان حينها كالذي يتعلم مهارة أو حرفة ثم لمّا يتقنها ويتعلم أسرارها تركها وذهب وبدأ في غيرها فأنى له أن يصل ويبدع ويتميز.
لا أقول لكم اتركوا كل شيء واقطعوا كل سبل الاهتمام بشتى المجالات، ولكن يمكنني نقل هذا المجال الإضافي والتخصص الذي أقحمت نفسي فيه وأنا أعرف في قرارة نفسي أني لن أحقق فيه الكثير من دائرة التركيز والتفرغ له إلى دائرة الاهتمام والمشاركة فيه متى ما تيسر أو تحويله إلى هواية.