أميرة صليبيخ


الاقتراب من الورق للكتابة ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، فمنذ أن وقع «دفتر يومياتي» في يد بعض الفضوليين من الأقارب وتناقلته الأيدي بين أفراد العائلة بأكملها، صرت مثاراً للسخرية والتنمر، كما أصبحت منبوذة لأن بعضهم لم يعجبه ما كتبته عنه بصراحة. كانت فترة عصيبة بالنسبة لفتاة في العاشرة من عمرها تحاول توثيق يومياتها لتسردها على أمها بعد عودتها من السفر.

بعد هذه الحادثة، توقفت عن كتابة اليوميات ومزقت دفاتري، ومنذ ذلك الوقت قبل 30 عاماً وحتى اليوم لم أتجرأ على كتابة صفحة يوميات واحدة، ولكني عوضّت ذلك بقراءة يوميات الأدباء والعظماء.

ولعل أمتع كتب اليوميات التي قرأتها هو «اليوميات: للشاعر والكاتب البرتغالي فرناندو بيسوا» فبالرغم من أن بعض صفحات يومياته عبارة عن سطور مقتضبة لجميع ما قام به خلال يومه، ولكنه سيجعلك ترغب في أن تحُسن إدارة الوقت مثله. فهو يتعلم الفرنسية والإنجليزية والألمانية ويحضر دورس التاريخ ويقرأ كتب الفلسفة ويكتب الشعر ويقرأ الروايات ويضع تصوراته الأولية لمسرحية وبعض الأعمال الأدبية والنقدية، إلى جانب كتابة المقالات وترجمتها بعدة لغات، كما كان يجهز البحوث والعروض اللازمة لدراسته! كما قرأت أجزاء من «مذكرات مالوان: عالم الآثار وزوج أجاثا كريستي» حيث تكلم فيه عن علاقته معها وكشف جوانب من شخصيتها، وقمت كذلك بقراءة مذكرات أجاثا نفسها المعنونة باسم «تعال قل لي كيف تعيش- مذكراتها في سوريا والعراق» واستطعت لأول مرة أن أنصت لصوتها الحقيقي المجرد وهي تسرد قصتها الشخصية بعيداً عن رواياتها البوليسية، كما تعرفت عن كثب على ماكسيم غوركي وفهمت حجم المعاناة التي وقفت وراء قائد عظيم مثله، وغيرهم كثيرون ألهمتني يومياتهم مثل: جورج أورويل وفرانز كافكا وتولستوي وغاندي وهيلين كيلير ومالكولم أكس وأوبرا.

إن قراءتك ليوميات العظماء، تجعلك ترغب في أن تكون شخصاً أفضل وأن تنجز أكثر وأن تملأ حياتك بما يستحق أن يذكر. هذا النوع من القراءة يضعك في حالة تقييم مستمر لذاتك وأحلامك ويمدك بالأمل في الأوقات التي تكون فيها جميع الأبواب موصدة، فنحن البشر نبحث دائماً عن قصص مشابهة لقصتنا، نحاول التعلم منها حتى نختصر على أنفسنا الطريق. في النهاية ستدرك أن العظماء مثلك تماماً إنما لم يتقبلوا اليأس والفشل في حياتهم، واستمروا في البحث عن ذلك الوميض في نهاية النفق.