محمد إسحاق
من الكُتّاب من لا تتحرك فيك أدنى شعرة عند القراءة لهم ومطالعة كتاباتهم، ومنهم من تعجز عن تفويت سطر من كلامهم ولو قطّعت مقالاتهم لاقتباسات ومقولات في الحياة لما انتهيت وأحسب أن الشيخ علي الطنطاوي أحدهم ومن ألمع الكُتّاب الذي قرأت لهم، وليتني كنت شاباً لأحضر خطبه وخطاباته التي كان يُلقيها في ذلك الزمان.
وقد توفي الشيخ رحمه الله ولم يكمل تأليف جميع كتبه حتى أكملها بعض أحفاده جزاهم الله كل خير ومن تلكم الكتب كتاب فصول اجتماعية، والذي ستقرؤون فيه 24 مقالاً من المقالات التي كتبها الشيخ علي الطنطاوي في خمسينات وستينات القرن الماضي ومنها أحاديث إذاعية ينشر نصها ومحتواها.
«إن التقسيط أكبر مصيبة وأول سبب لخراب البيوت واضطراب الموازنات، يرى الإنسان شيئاً لا يحتاج إليه فيعرض عنه، فيقول له البائع: خذه بالتقسيط. فيستسهل الأمر، فيأخذه ويقول: عشرون ليرة في الشهر، بسيطة. ولا ينتهي منه حتى يرى شيئاً فيأخذه، فتمتلئ داره بأشياء لا لزوم لها ولا حاجة إليها، ولو لم يشترها لعاش بدونها.
وينظر فإذا العشر ليرات من هنا والعشرون من هناك، والخمسون، والأربعون.. وإذا هي قد بلغت نصف الراتب أو ثلثيه، فإذا انضم إليها أجرة الدار ورسوم الكهرباء والماء والهاتف لم يبق من الراتب إلا كل طويل العمر».
وقد اجتهد حفيد الشيخ مجاهد مأمون ديرانية في تبويب الكتاب وجمع محتويات تتوافق مع العنوان المذكور للكتاب، وقد اشتمل الكتاب على مواضيع متنوعة تدور حول تربية الأبناء، والزواج، وعادات اجتماعية وحياتية تحتاج لإعادة نظر وتصحيح، وعن السعادة وكل ما يمس حياة الإنسان اليومية من مواضيع اجتماعية تهم الناس.
«والعزم ليس عقد النية فقط بل اتخاذ الأسباب. لو عزمت على الصلاة في المسجد لكنك لم تتوضأ ولم تلبس وتخرج من دارك فما قيمة هذا العزم؟ فمن يعزم على النهوض للفجر عليه -أولاً- أن ينام باكراً. هل يسهر هذا الشاب ليلة السفر إلى نصف الليل أم ينام من بعد العشاء ليتمكن من القيام؟ وعليه – بعد ذلك – أن يربط الساعة المنبهة ويضعها إلى جانب سريره، ويوكل من أهله من يوقظه، ويتخذ الأسباب كلها. هذا العزم الصحيح».
وقد اشتمل الكتاب على أبواب وعناوين متميزة منها: صيحة شكوى، كل شيء بالتقسيط، بين التبذير والتقتير، بدل عاداتك إلى الأفضل، عود نفسك الخير، بين الوظيفة والتجارة، ما هي السعادة؟، سبحان مقسم الأرزاق، هذه الامتحانات، إلى من حرم الولد، في تربية الأبناء، كيف ربيت بناتي، تيسير الزواج، حقوق الزوجين، دفاع عن المرأة، الطلاق ليس لهواً، وغيرها من العناوين التي ستستمتع بقراءتها عند اقتنائك للكتاب.
وأختم بكلمة أخيرة ذكرها الشيخ رحمه الله عن السعادة وهي الأمر التي يبحث عنها كل إنسان فقال:
ما هي السعادة؟
السعادة -يا سادة- تأتي من داخل النفس، لا تأتي من خارج.
أقول لكم ما السعادة في كلمة واحدة؟ السعادة هي الرضا؛ إذا أردتم أن تكونوا سعداء فارضوا.
إذا رضيت فأنت سعيد، وكلما زادت طلباتك نقصت سعادتك.