أميرة صليبيخ


تخيّل أن تكون جالساً في أحد المطاعم الراقية ويسكب النادل طبق الشوربة بالخطأ ويطال ثيابك ووجهك. ماذا ستفعل؟ في الغالب ستثور وقد تغادر المكان ولا تعود له لآخر عمرك وتنتشر في حساباتك ما فعلوه بك وتطلب مقاطعتهم، أو قد تعنّف النادل وتطلب المسؤول وتطالب بتعويض على إفساد ملابسك ومزاجك ووجبتك.

في مشهد مقارب مع اختلاف الأزمنة والشخوص، يقوم إعرابي بالتبول في المسجد، فيهرع الناس إليه لينهوه عن فعله، فكما هو معروف التبول في المسجد حرام وانتهاك صارخ لتعاليم الدين وإهانة لقدسية بيوت الله. ولو كنت يا عزيزي القارئ في ذلك الزمان فقد تفعل الأمر نفسه فتثور وتهيج وقد تقتله، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعوه وأريقوا على بوله سَجْلًا من ماء، أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسّرين، ولم تبعثوا معسرين).

فنبي الأمة يعرف أن الإعرابي قادم من بيئة مختلفة عنهم ولا علم له بأحكام الشريعة، لذلك طلب منهم الترفق به لحين الانتهاء من قضاء حاجته ومن ثم سكب الماء في موضع النجاسة. هكذا بمنتهى البساطة والحلم وسعة الصدر يحتوي رسول الأمة الموقف بدون تصعيد، ويعلّم صحابته درساً عظيماً في الرفق بالإنسان واللطف به. فلو سمح لهم بأذيته لربما ارتد عن الإسلام أو عاد مع قبيلته لينتقم منهم، وربما هدم المسجد عليهم، ولك أن تتخيل مختلف ردود الفعل، لكن الرفق أنهى هذه المعضلة بسلام تام، وكانت فرصة ليتعلم منها الجميع بالتطبيق العملي آثار الرفق على المواقف والأحداث والأشخاص.

إن ضبطُ الأعصاب في المواقف هو فن لا يتقنه الكثيرون، وغالباً ما يكون إنفاذ الغضب والتنفيس عنه أسهل بكثير من الرفق واللين في التعامل، لأن كبح الغضب أمر صعب ويتطلب قدرات نفسية عالية، ولكن يمكن تعلمه بالممارسة ومراقبة ردود الفعل وتهذيبها مع الوقت.

وعن عمرو بن عبسة أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ما الإسلام؟ قال: « لين الكلام، وإطعام الطعام «. فاختصار الدين هو لين الخطاب ولين التعامل مع جميع مخلوقات الله، من إنسان أو حيوان، على اختلاف موقعك في هذه الحياة سواء أكنت قائد، أو مؤثر، أو أب، أو زوج أو عامل، فأنت مطالب بالرفق بهم وفق ما تقتضيه المواقف، فالله رفيق يحب الرفق.

وتذكر دائماً لولا وجود الرفق والرحمة في قلب المرأة البغّي التي سقت الكلب لما غفر الله لها وأدخلها الجنة. فترفّق بمن حولك.