أميرة صليبيخ


من أكثر التجارب التي رغبت في أن أعيشها أثناء طفولتي هو أن يحملني والدي إلى فراشي ويقبلني على جبيني ثم يبدأ في سرد قصة لي قبل النوم، كما يحدث في الأفلام الهوليوودية، ولكن عوضاً عن ذلك عشت رغبتي هذه بشكل آخر. فقد كانت طفولتي مليئة بالقصص والحكايات التي لا تنتهي من قبل جدتي لأمي التي لم تكن تبخل علينا -نحن الأحفاد- سواء بالقصص أو المال أو أي شيء آخر، ودائماً ما تخصص لنا وقتاً بعد الصلاة لتسرد على مسامعنا قصص الأنبياء والصحابة والأبطال والشعراء، وقصصاً عن طفولتها وعن رحلاتها حول مختلف دول العالم.

لم تكن جدتي تقص علينا هذه القصص لتزجية الوقت أو لجعلنا نتوقف عن شقاوتنا، بل كانت منتقاة بدقة وتحمل في طياتها حكمة وعبرة. كانت هذه القصص تأسرني وأود ألا تتوقف جدتي عن السرد أبداً، وكم كنت أحقد على من يقاطعها أو يشغلها عن تكملة القصص.

مع الوقت تأصّلت فيني مهارة الاستماع وأصبحت أذناي تتوقان لأي قصة، فإن أراد شخص أن يأسرني بحديثه فعليه أن يحكي لي قصة ما. وكما يقال فإن النفس البشرية مجبولة على حب القصص، ولذلك جمع القرآن في دفتيه قصصاً لا تنتهي عن الأنبياء والأمم والأقوام السابقة، مراعاةً لهذه الطبيعة المتأصلة فينا. فالقصة ذات تأثير بالغ على شخصية الطفل وتوسعة إدراكه، وتعزيز قدرته على التحدث بثقة أمام الآخرين، كما أنها تساهم في غرس العديد من المفاهيم لديه والتمييز بين الصواب والخطأ، والقدرة على تقييم المواقف ومعرفة أساسيات التفكير المنطقي. كما أنها تحفز الخيال لديه وقدرته على التركيز، كما تجعله قادراً على استخلاص المعاني السامية من القصص والمشاركة الوجدانية والتعاطف مع الأبطال الذين يماثلونه في السن ويتعرضون لمختلف المواقف التي تتطلب إيجاد حل. ووفقاً لرايف كولينز مؤلف كتاب قوة القصة فيقول إن «سرد الحكايات يعتبر من أقدم أشكال التواصل، وهو قاسم مشترك بين جميع البشر، في جميع الأماكن والأوقات».

ومع اقتحام التكنولوجيا لحياتنا ومقاسمتها لفراشنا مع الأطفال، قل التواصل الفعال معهم وبدأت ظاهرة قراءة القصص لهم في التلاشي التدريجي، وهو ما أحدث فجوة في قوة العلاقة بين الآباء والأطفال فجميعهم مشغولون بأجهزتهم الإلكترونية. لذا فمن المهم تخصيص بعض الوقت لسرد القصص للأطفال والأبناء أيضاً، ولا يشترط أن تكون قبل النوم؛ فالهدف هو الإبقاء على أواصر العلاقة ممتدة ومتأصلة ما بين الأسرة الواحدة.