ولاء الجمعان
اذهب للعلاج، لم يُشفَ طفلك الداخلي، ليس هناك وقت لنتناقش! أنتِ لم تتصالحي من جروح طاقة الأم.. هيا لنتعالج عن طريق التسجيلات أو الدورات، وعشرات الحيل التي يستخدمها مدربو حركة العصر الجديد ليصطادوا المراهقين والكبار، ليجدوا بعد فترة أن حياتهم تنقلب رأساً على عقب بعد دخولهم في هذه الدوامة اللامتناهية. عندما يبدأ الناس بتصفّح منصات التواصل الاجتماعي، يظهر الكثير من مدرِّبي حركة العصر الجديد يتحدّثون عن أشياء مبهمة، فمثلاً لو ظهر لك مقطع يتحدّث عن جروح طاقة الأم، ستبحث وتجد دورات كثيرة عن التشافي، بل يظهر لك الكثير من المتحدثين في هذا الموضوع بأساليب مختلفة. وستبدأ الشكوك ورحلة البحث عن أسباب هذه الجروح لفترة طويلة لتعيد إصلاح نفسك، ناهيك عن الألم والعتاب للأم أو الأب في هذه الفترة، والتي لن تتخلّص منها بسهولة بمجرّد فتحك لهذه الأبواب الشيطانية.
جروح الطفولة أمرٌ قد يتعب الكثير، بما فيه من ألمٍ ومعاناة للبعض، فليس من السهل فتح الملفات القديمة ومحاولة تذكر كل شيء باليوم الفلاني، ستصاب بخيبة الأمل، أو الإرهاق، أو الأرق، أو المعاناة النفسية، حيث ستبدأ حينها بطرح الكثير من الأسئلة عن ماضيك بأدق التفاصيل، وستجهل حاضرك ومستقبلك.
إن مدربي حركة العصر الجديد يتمتعون بطلاقة أثناء عرض الأكاذيب، فيعرضون عليك دورات بأسعار مختلفة لتتناسب مع الجميع ليُسهل عليهم استقطاب أكبر عدد ممكن من الضحايا الذين يصدّقون هذه الترّهات، ويُضخ ببطاقاتهم البنكية مال وفير، ليضعوا بعدها الضحية في دوامة يتخبط فيها بحثاً عن «السلام النفسي» كما يزعمون.
قد تقول إنهم يريدون المال فحسب، هم لا يريدون المال فقط، إنهم يسعون كي يضعفوا من نفسك ليتمكّنوا من جعلك دمية لهم، تتحرك عندما يريدونك أن تفعل. يوهمونك بأنك لستَ بخير فيقومون ببرمجتك ليضعف إيمانك ويسهل عليهم جذبك نحو طريق الأشياء التي يؤمنون بها دون الله، لا عجب أن الاكتئاب بدأت ترتفع وتيرته بسبب مشاهدة الناس نهاراً وليلاً لهذه المقاطع، والتي من الممكن أن يكون المتحدّث فيها مريضاً نفسياً أصلاً، حتى المعافى سيرى نفسه في حالة من الحزن عندما يتذكّر عدم شراء أمه الحلوى له في عام 1983، وسيشير بأصابع الاتهام إليها عما يعانيه الآن بسبب فقرهم ذلك الوقت.
عزيزي القارئ، بحثك في الماضي لن يجدي نفعاً ولن تغيّر أحداث الماضي التي عانيت بها بمجرد تفكيرك فيها، هناك حاضر ومستقبل أمامك، تذكّر أن الأنبياء عانوا مع أقوامهم وأهلهم رغم منزلتهم عند الله، حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وُلد يتيماً ولم يتخلَ عنه الله، فما بالك بعبدٍ ضعيف مثلي ومثلك؟
وتذكّر أننا نؤجر على هذه المصائب، فَعنْ أَبي سَعيدٍ وأَبي هُرَيْرة رضيَ اللَّه عَنْهُمَا عن النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها ولا غم إلا كفر الله بها من خطاياه) متفقٌ عَلَيهِ. وأن ما قاسيناه شكَّل شخصيتنا وصقلها وجعلنا نتعلم من الأخطاء، فلا هناك حياة مثالية ولا هناك مقعدٌ في حافلة الدنيا للضعيف، فإما أن تختار للمواقف أن تكون سُمّاً يقتلك ببطء، أو قفزة عظيمة تبني فيها نفسك لتكون مؤمناً قوياً.