أميرة صليبيخ
ليس هناك خيبة أمل أكبر من أن تكون كائناً مُحتقراً ومُهمشاً من قبل أولئك الذين سعوا جاهدين لإنجابك! كما أنه ليس هناك أقسى من ذاكرة لا تنسى، وتجيد سرد الأحداث البائسة عليك في كل لحظة إمعاناً في عذابك النفسي! هذا ما تفعله التنشئة السيئة في الأبناء: تُلغي كيانهم وتدّمر شخصياتهم وتجعلهم كائنات مضطربة نفسياً غير قادرة على التعايش مع الآخرين، وقد يصلون لدرجة لا يطيقون فيها أنفسهم ويسعون لتدميرها!
عندما شاهدت فيلماً يوثق سيرة حياة الفنان الهولندي فنسنت فان غوخ أدركت عمق الجرح الذي تركته فيه أمه منذ لحظة ولادته، وتسبب في إصابته بالاكتئاب طوال حياته التي استمرت لمدة 37 عاماً.
فقد أخبرته أنه وُلد بنفس تاريخ وفاة أخيه وأنها أسمته على اسمه، وأخذته ليرى شاهد القبر فشعر بأنه مجرد كائن بديل، فقال جملته الشهيرة: وُلد أخي ومّتُ أنا! فان غوخ لم يتعافَ قط من شعوره بالدونية وعقدة الذنب والتعاسة، حتى قرر أن يضع حدّاً لهذه المعاناة بطلقة في صدره! فعلى الرغم من أن والدته كانت هي السبب في نقل حب الطبيعة والألوان إليه نظراً لكونها فنانة أيضاً، إلا أن كلماتها كان لها الأثر الأعمق في تشكيل حياته ومسيرته وأخيراً مرضه النفسي، فقد كان ضحية كلمة من لسانها، ومثله كثيرون بلا شك، يعانون من كلمات قيلت لهم وبقيت عالقة في الروح لا يلغيها الزمن.
وعلى الجانب الآخر من الحياة، نجد أن والدة توماس أديسون آمنت به منذ البداية عندما اتفق جميع المدرسين على أن ابنها غبي ولا مكان له في المدرسة بسبب شقاوته وعدم بقائه في مقعده وأخيراً بسبب قيامه بتجربة عملية على صديقه كادت أن تودي بحياته؛ حيث أراد اختبار إمكانية الطيران بعد شرب مجموعة غازات. فقالت لهم سترون من سيكون ابني في المستقبل. ومنذ تلك اللحظة شرعت في تدريسه في المنزل وتغذية عقله بشتى المعارف والعلوم حتى أصبح واحداً من أعظم العلماء والمخترعين.
يقول أديسون عن والدته: «لولا إيمانها بي لما أصبحت مخترعاً أبداً.. إن أمي هي التي صنعتني، لأنها كانت تحترمني وتثق بي وأشعرتني أني أهم شخص في الوجود».
وهنا تكمن المسؤولية العظيمة تجاه الأبناء. فهم كأطفال كائنات هشة، سريعة العطب وسريعة التشكل أيضاً، ويخطئ من يظن أنهم لا يَعون ما يدور حولهم حتى في سن مبكرة. فالسنوات الثلاث الأولى هي الأهم، فاحرصوا على أبنائكم لأنهم هم الإرث الباقي لكم في هذه الحياة.