أميرة صليبيخ
في السابق، عندما ننزعج من كثرة الاتصالات على الهاتف الأرضي أو عندما نختلف مع الشخص المتصل، نقوم بسحب السلك أو رفع السماعة حتى نضع حداً له. وعندما نتخاصم مع أحد الجيران، كنا نكتفي بعدم الخروج من المنزل حتى نتجنبه، وعندما نتواجه في الحي كنا نصد عنه وكأنه غير موجود. كانت الحيل الدفاعية لحماية أنفسنا من القلق والانزعاج بسيطة، وكانت الحياة سهلة ولا يوجد بها الكثير الذي يقلق العقل.
ومع فورة التكنولوجيا الرقمية وتطبيقاتها التي تحاصرنا وتغتصب خلواتنا مع أنفسنا وتنتهك سلامنا الداخلي، نجد أنه من الصعب أن نتجنب هذا الإزعاج المقيم، فالجميع موجودون في كل تطبيق، والجميع مزروعون في تفاصيل حياتك بصورة يصعب التحرر منها، حتى تم اختراع خاصية (البلوك) الذي أراح الكثيرين من المتطفلين من البشر والحسابات المزعجة وغيرها.. (تعددت الأسباب والبلوك واحدُ).
ففكرة البلوك مريحة نوعاً ما، فهي تصّور لك أنك المتحكم في حياتك وأنك قادر على إيقاف الأذى الخارجي ومواصلة حياتك بصورة طبيعية. فإذا كنت في علاقة عاطفية وأردت النفاذ بجلدك فكل ما عليك فعله هو ضغطة زر وتُنهي الأمر، وكأنك ألقيت الطلاق عليها، وتمسح تاريخك العاطفي بالكامل وكأنه لم يكن. وعندما يزعجك إعلان ما فالبلوك سيقوم بالواجب. فما يهم هو الحفاظ على سلامك الداخلي!
والبلوك مفيد للتحكم في العالم الخارجي، ولكن لا (بلوك) في العالم يستطيع إيقاف الإزعاج القادم من داخلك أنت: من أفكارك وتخيلاتك وظنونك. هذه الأفكار أقوى من وسوسة إبليس نفسه ولا يمكنك أن تخرسها مهما حاولت، فهي متدفقة، مُلحّة ومزعجة ولا يمكنك الهرب منها مهما خدعت نفسك.
لذا فإن حقيقة هذا الانزعاج من العالم إنما هو نابع من انزعاجك من نفسك أنت وليس منهم، وهذا البلوك التقني هو مجرد وسيلة مؤقتة لتلقي باللوم عليهم وأنك ضحيتهم. وفي هذه الحالة أنت بحاجة لأن تتعلم مهارة البلوك (الذهني) وهي القدرة على التحكم في سيل الأفكار المتدفقة -كما أحب أن أسميها- وهو أمر بإمكانك أن تتقنه مع كثرة التأمل والتركيز على الأمور الإيجابية فقط وإعادة توجيه ذهنك نحو الأمر المطلوب. فكلما شعرت أنك منزعج من أمر خارجي، فعّل زر البلوك الذهني وحاول أن تفكر في أمور متعة وتحبها، سترى أن كل الانزعاج الذي كنت تشعر به قد تلاشى وانتهى.