إيمان عبدالعزيز
كانت حفلات الزفاف ما نطلق عليها بلهجتنا المحلية «الأعراس» في زمان الأمس، عندما كان آباؤنا وأمهاتنا صغاراً في كنف اللهو واللعب والأجداد والجدات في ريعان شبابهم، تضفي حفلة العرس الفرحة على أفراد الحي كما لو أنه يخص المدينة بأكملها، فلا تقتصر على أهل العروسين فقط، وذلك لعمق الترابط وشديد التواصل والألفة بين أفراد الحي سابقاً، ولا تكتفى مراسم الزفاف في ليلة واحدة، بل تستمر إلى ما يقارب 7 ليالٍ متتالية.
ورغم بساطة الحياة في ذلك الوقت، إلا أن حفلات الأعراس لها طابعها المميز لدى الجميع، فيساهم الجيران بما لديهم من أغراض ومعدات كالجلسات والمباخر والأطياب والأطعمة «القدوع» وغيرها، وأيضاً تقديم كل ما بالوسع من الخدمات مثل تحضير العشاء وفرش السجاد وتزيين البيت من الداخل والخارج، ونقش الحناء للعروس وغيرها، لإتمام مراسم الحفل وإبرازه بأحسن حلة.
ويتم إحياء الحفل في فناء البيت أو فوق السطوح ليسع العديد من المدعوين من الأهل وأفراد الحي في أجواء تسودها البهجة والفرحة الغامرة بعلو الحناجر المهللة بالزغاريد والتصفيق وسط قرع طبول وأهازيج الفرق الشعبية، فلا يكترث المدعوون من النساء والرجال إلا لأجواء العرس وانسجام أهل العروسين مع بعضهم بعضاً بكل توادٍّ ومحبة. وهكذا كانت تنقضي ليالي الزفاف في الماضي مخلّدةً ذكرى لا تُنسى من الأُنس الحقيقي والفرحة الغامرة بذات العرس وجمالياته المتواضعة.
بينما أعراس اليوم التي تواكب أحدث صيحات الفخامة والجاذبية في وطر الحداثة والتقدم، إلا أنها تفتقد بعض القيم الاجتماعية، كالتأدية الحقيقية للواجب والكامنة في احترام الآخرين، فنجد أن العديد -وليس الكل- من المدعوات لم يكترثن في هذه اللحظات التي من المفترض الانشغال بأجواء الحفل ومشاركة أهل العروسين فرحهم، إلا بالتمسك بالجوال حال عدم تسليمه إلى موظفات الأمن عند الدخول، واللمز والسخرية من شكل الأخريات ولباسهن، والتذمر على تقديم الضيافة وعلى ما لذ وطاب فوق طاولة «البوفيه»، من دون الحمد والثناء لله على هذه النعم.
أجواء أعراس اليوم لم تسلّط الأضواء فيها سوى التركيز على الأزياء والتنمر والأحاديث الجانبية المتمحورة حول السخرية على الحضور والانشغال بالجوال، ما افقدها المتعة الحقيقية التي تلذذ بها جيل الأمس في حفلات الزفاف.