أميرة صليبيخ
كنت سأصاب بانهيار عصبي وأنا أستمع لإحداهن وهي تتحدث ببرودة مطلقة عن قطها الذي كان مصاباً بمرض في عينيه، فقررت التخلص منه في الشارع لأنها لا تريد أن ترهق ميزانيتها، وهو ذات القط الذي كانت قبل أسبوعين فقط تسميه (طفلي الجميل)! وعندما رأت علامات الامتعاض والصدمة على وجهي -كوني منقذة للحيوانات- راحت تبرر فعلتها بالتضخم الاقتصادي والنظام المالي العالمي وبخل زوجها، وإنهم جميعاً كانوا السبب فيما حصل للقط، لكني أعلم بأنه كان قراراً شخصياً بعد أن اكتفت من تصويره واستعراضه على منصات التواصل الاجتماعي.
وأخرى كانت تتكلم عن العاملة الآسيوية التي احترق منزل عائلتها، وطلبت منها بعض المال لحين ترتيب أوضاع العائلة المنكوبة، فقررت إنهاء خدماتها وتسفيرها حتى لا تضطر لمنحها هذا القرض الصغير، ولاحتمال أن تكون العاملة غير صادقة فيما تقوله!
العديد من المواقف التي تمر علي يومياً -وتبدو تافهة للبعض- ولكنها تجعلني أخاف على ما تبقى في العالم من إنسانية، وأعيد النظر أكثر من مرة لأطمئن على سلامة ضميري وإحساسي بمعاناة الآخرين.
كيف يمكن لأحد أن يعتاد على هذه المشاهد اليومية دون أن يتحرك فيه شعوراً بالرحمة والشفقة والاستعداد لمد يد العون؟ يكيف يمكن له إسكات صوت ضميره والتعايش مع هذا الوضع بمنتهى الراحة والطمأنينة؟ فجميعنا قد نكون في مكانهم يوماً ما وسنرجو من الله أن يبعث لنا طوق النجاة في أي شكل كان، فلم لا تكون أنت هذا الطوق للآخرين؟
فإذا اعتدت أن تسكت عن حق حيوان مسكين، أو عامل لا صوت له، وأن تغض الطرف عن حاجة شخص واقع في ضائقة، وغيرها من واقف.. فدعني أخبرك بأنك ستصاب مع الوقت ببلادة حسية وموت في القلب لا يمكن الشفاء منه، وستصبح كومة من الأنانية المزعجة التي تجعل العالم ينفر منك. ستغدو مجرد فزاعة مجردة من المشاعر.
إن جوهر وجودك الإنساني الذي يجب ألا تغفل عنه هو أن تجعل الحياة أسهل على الآخرين وأن تتعامل معهم بمبادئ ديننا الحنيف الذي يؤكد دائماً أن الراحمين يرحمهم الله.
وفي ذلك أتذكر قول محمود درويش: وأَنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّرْ بغيركَ لا تَنْسَ قُوتَ الحمامْ
وأَنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيرك لا تَنْسَ مَنْ يطلبون السلامْ
وأَنتَ تعودُ إلى البيت، بيِتكَ، فكِّرْ بغيركَ، لا تنس شعب الخيامْ!
لذلك حاول بين فترة وأخرى أن تتفحص إنسانيتك وتعاطفك مع من حولك، فقد تحتاج إلى عملية إنعاش عاجلة.