أمل محمد أميناللغة ليست مجرد رموز لإيصال المعنى بل هي وسيلة للتعبير عن ثقافة وحضارة الشعوب وفي بعض الأحيان تكون طريقة النطق ومخارج الحروف وشكل الحرف يوضح الاختلاف بين الحضارات وبين الشعوب.فاللغة هي جزء من الثقافة، والثقافة تحدد هوية الشعوب والمجتمعات وتحدد طريقة تواصل أفرادها مع بعضها وإذا حرمت المجتمعات من اللغة فإنها تحرم من وسيلة التواصل والتعبير بل والتطور الوجداني والإنساني فكلما ارتقت مفردات اللغة المستخدمة بين الشعب دل هذا على ارتفاع مستواهم الاجتماعي والثقافي وكلما انحدرت المفردات المستخدمة بين طوائف المجتمع كان هذا انعكاساً الاضمحلال الفكري والانحدار الثقافي وفقر القدرة على التعبير الحر والانتقال نحو التعبير الفظ بسبب ضعف المستوى التعليمي فاللغة تتوافق مع السلوك وتعبر عنه. فالضعــف اللغـوي العــام يــؤدي بالتدريج إلــى ذوبان الشـخصية، وفقـد الهويـة، وضعـف الصلـة التـي توحـد الشعوب وتشـريعاتها، وتحقـق لهـا استقلالها، وتبوؤهـا المكانة اللائقة.ولعـل ممـا يؤكد الارتباط الوثيق بيـن اللغـة والهويـة تمســك الكثيــر مــن الأمــم والشــعوب القويــة بلغتهــا فـي جميـع المحافـل الخاصـة والعامـة، أي أن اللغـة هـي الخيـط غيـر المرئـي الـذي تنتظـم فيـه حبـات عقـد؛ فتتوحـد مشــاعرها وتقــوى روابطهــا.وتعيش الشعوب العربية حالة خاصة مع لغتها فالقرآن الكريم والسنة النبوية وهما أساس ومنهج الإسلام الذي تدين به الأغلبية العظمى من الشعوب العربية وهذا يوثق الارتباط بين الهوية وتحدث اللغة العربية فهي ليست وسيلة تواصل فقط بل هــي هويــة المســلم الحضاريــة، وهويــة الإنسان وهــي حقيقته المطلقــة، صفاته الجوهرية.وهذه الشواهد تؤكد على أهمية تعليم اللغة في المدارس بطريقة مكثفة ليس تعليماً سطحياً بل تعليماً يستكشف جمال اللغة وبحورها وهو ما أصبحنا نفتقده في المدارس الآن، بل أصبح هناك العديد من الأسر التي تحرص على التحاق أولادها بالمدارس الأجنبية وأن تكون لغتهم الأولى الإنجليزية والثانية لغة أجنبية أخرى وابتعدت الأمة العربية عن أصل لغتها على الرغم من أنها أساس الهوية العربية ومنبع الثقافة وكان لهذا نتيجة كبيرة في تشويه هوية الأجيال الجديدة خاصة منذ الألفية الجديدة وانفتاح العالم على استخدام شبكة الإنترنت فازداد استخدام الفرنكوفونية وهي كتابة اللغة العربية بحروف إنجليزية، واستخدام الرموز للتعبير عن مشاعرهم بدل الكتابة وهذا أدى إلى فقر شديد في استخدام اللغة العربية.ولا شكَّ أنَّ الإعلامَ يؤثر تأثيراً كبيراً في اكتساب مهارات اللُّغةِ العربيَّةِ، وبخاصة مَهارتا التحدثِ والاستماع؛ حيث إن الأقطار العربية وضعت حواجز بين اللغة العربية المكتوبة، ولغة الكلام، وهذا ما تعاني منه أجيالنا المعاصرة؛ حيث يجيد الكثير منهم الكتابة، لكن قلة منهم هي التي تستطيع استخدام اللغة استخداماً جيداً في كتابتها، وفي كلامها، ومن أجل ذلك، فإن وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة تلعب دوراً بارزاً في تكوين المجتمع، وبنائه، وتنميته؛ ولذا فإن وسائل الإعلام يمكن أن تُحدث حِراكاً لُغوياً منْ خِلالِ عمل برامج تعليمية للغة العربية تناسب كافة الأعمار، وتحدد لها ساعات معينة؛ حتى يعرفها المشاهدون ممن يريدون تعلُّم اللغة العربية، ومن ثم يحافظون عليها، ويا حبذا إذا تم إلزام أقسام الإعلانات – خاصة الإعلانات المرئية – بعرض المادة المعلن عنها باللغة العربية الفصحى البسيطة، ومن المهم الدعم الإعلامي للمؤسسات والمعاهد والجامعات التي تعلم اللغة العربية في كافة أقطار العالم، ولها خبرات في هذا المجال، من خلال بيان دورها، ونشر الدعم الفني لها عبر وسائل الإعلام المتنوعة، ومن أمثلة ذلك: مركز اللغة العربية بجامعة القاهرة، ومعهد تعليم اللغة لغير الناطقين بغيرها بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وكلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، ومعهد الضاد لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها بسلطنة عمان، وغير ذلك، ودعم المسابقات التي تهتم باللغة العربية، سواء أكانت من أقسام اللغة العربية في الجامعات، أم من أي مؤسسة تعليمية تربوية تعمل على النهوض بمستوى اللغة العربية، وتعليمها؛ وذلك من خلال بثها مباشرة أو تسجيلاً، والتشديد على الإعلاميين – خاصة بعد انتشار كثير من القنوات الفضائية- بالالتزام باللغة العربية الفصحى، وعدم استخدام اللهجات العامية المحلية أساساً في الأحاديث الإعلامية في سبيل نشر الوعي ، والثقافة داخل المجتمعات.