أميرة صليبيخ
تمرّ أيامنا بخفة وسلام، لا جديد يحدث فيها ولا تغيير، لا ألم، لا حزن، لا فرح، لا شيء! عالقون في وضع الثبات المُمل، ومع ذلك نحن مستاؤون وغاضبون من هذا الوضع، نريد الخروج من هذه القوقعة التي حُشرنا بها. نريد أن نعيش الحياة التي في مخيلتنا، لكن لا شيء يحدث، فيزداد سخطنا حتى يتمكن منا، ومع الوقت يأخذنا من يدينا إلى مشارف الاكتئاب والبؤس، دون إدراك أن «عادية هذه الأيام» هي حلمٌ للملايين. تعلمنا أن نركز على المفقود، ونتعامى عن الموجود، فأصبحنا في دوامةٍ حرمتنا القدرة على استشعار النعم العظيمة التي نتقلب فيها ليل نهار.
فالملل على سبيل المثال يصبح نعمة عظيمة عندما تشعر به وأنت في دفء غرفتك، وتعلم أن أفراد أسرتك جميهم بخير، وأنك لاتزال حياً وقادراً على التنفس بسهولة، دون القلق من قذيفة قد تسقط على منزلك، ودون الشعور بالجوع الموجع، أو التعب من حمل جثامين أصدقائك وأفراد أسرتك لدفنهم. كل مفقود بحياتك يصبح نعمة هو أيضاً عندما تغيّر الطريقة التي تنظر بها إلى الأمور.
غياب الأشياء التي تريدها عن حياتك فرصة لتعظّم امتنانك لما هو موجود. درّب نفسك على هذا التفكير ومع الوقت سيقلّ سخطك من عدم حصولك على ما تريده. فجميعنا نطارد أحلاماً وأهدافاً قد لا تتحقق ولكن ما يُحدث الفرق هو الطريقة التي تتعامل بها مع الأمور التي لا تستطيع تغييرها. هل ستبقى غاضباً من عدم تحققها؟ أم ستتقبل الواقع وتتفاءل بالقادم؟
تشير الدراسات إلى أن دقائق معدودة من الامتنان اليومي تُحدث تغييراً في كيميائية المخ وترفع المناعة وتعزّز الصحة النفسية وتقاوم الاكتئاب. الامتنان يغيّرك، يغيّر طريقة تفكيرك ويحوّل حياتك إلى جنة مصغّرة.
تعلّم أن تنظر إلى الأشياء نظرة مودّع، فأنت لا تعلم إلى متى ستبقى هذه النعم رفيقة لك. شعورك بفقدانها يجعلك تدرك قيمتها وتمتن لها. تقول الآية الكريمة (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)، ويقول المرشد الروحي إيكهارت تول «إن اعترافك بالخير الذي تملكه بالفعل في حياتك هو أساس كل وفرة»، فبالشكر والامتنان يزداد الرخاء والخير في حياتك.
ويقول الكاتب وليام آرثر وارد «في إمكان الامتنان أن يحول الأيام العادية إلى أعياد»، لذلك لا عجب أن يكون أول ما نفعله عند الاستيقاظ من النوم هو أن نشكر الله الذي أحيانا يوماً آخر، لأن في ذلك برمجة للتركيز على الإيجابيات فقط منذ بداية اليوم. فهل مارست الامتنان اليوم؟