أميرة صليبيخ
وأنت تتقدم في العمر، هل يأخذك الحنين إلى زمن بعيد، حيث كنت تستطيع في أن تشاهد مسلسلات الكارتون المسلية، وترتدي ملابسك التي تحبها برسوم طفولية؟ وكنت تذهب إلى الملاهي لتلعب بعفوية دون خوف من نظرات الآخرين، وأن تبني قصراً على الرمال، وتشكل الطين على هيئات غبية ومضحكة؟ هل تحن إلى أن تعود طفلاً؟
هناك طفل داخلي صغير ينام بوداعة في داخل كل منا، ويطل علينا بين حين وآخر ليذكرنا بألا نأخذ الدنيا بجدية أكثر مما ينبغي، وأن نمارس عفويتنا في التعامل مع الآخرين، وأنه لا بأس بأن نكون أطفالاً متى ما أردنا ذلك.
ويشير علماء النفس إلى أن الطفل الداخلي يشير إلى الجزء الأيمن من العقل الباطن، الذي يتصل مع العاطفة والإبداع والابتكار والمرح، ويشمل مخزون الذكريات التي كونها الشخص منذ لحظة ولادته وحتى بلوغه. وهناك تخزن التجارب والصدمات والمشاعر بحلوها ومرها، وتؤثر في تكوين شخصيته وتطورها.
وغالباً ما تكون هناك جراح منسية عالقة في ذاكرة الطفل الداخلي، ينساها الشخص البالغ، ولكنها تُوثقّ حضورها الطاغي في المواقف الانفعالية والعاطفية التي يمر بها. وتستطيع أن تُدرك ذلك من خلال ردود فعل الآخرين.
فالشخص المليء بمشاعر الذنب، وقلة الثقة، والإحساس بالدونية، والخجل، والخوف، والتعلق المَرَضي، يشير إلى وجود طفل داخلي مجروح وخائف تم قمعه وتجاهل معاناته، ومع الوقت يكبر لينتج عنه شخص مضطرب عاطفياً، ويعاني من عُقدٍ نفسية كثيرة، ودائماً ما يحاول تفريغ آلامه في الآخرين، ويحاول أذيتهم بالقدر الذي ناله من الأذى في طفولته. جرب أن تراقب تصرفات الآخرين المؤذية ممن حولك، وستعرف ما الذي أقصده.
يقول البروفسور ستيفن دايموند إن «معظم الاضطرابات العقلية وأنماط السلوك المدمرة ترتبط إلى حد ما بالطفل الداخلي، كون معظم البالغين لا يدركون ذلك تماماً، وهذا النقص في الارتباط الواعي بطفلنا الداخلي هو بالتحديد مصدر العديد من الصعوبات السلوكية والعاطفية».
وحتى لا تقع في شراك الماضي، وتتحرر من سطوة الجراح، عليك أن تسعى لشفاء طفلك الداخلي المنسي، وتحسن التواصل معه. ولعل أفضل طريقة هي أن تعترف بوجود هذا الطفل، وأن تجلس مع نفسك، وتستعيد ذاكرة الطفولة، وتتذكر أكثر المواقف التي أثرت فيك. أن تسأل نفسك عن الأمنيات التي لم تتحقق، أن تتوقف عن تأنيب نفسك ولومها وتحقيرها، أن تحتضن الطفل الذي بداخلك، وتتعامل معه وكأنه طفل حقيقي. قد يبدو الأمر مجنوناً، ولكنه يستحق التجربة.