محمد إسحاق
كثيراً ما يتردد على ألسن الكبار والصغار كلمات الشوق والحنين إلى الزمن الماضي والحياة في تلك الأيام التي نسمع عنها أنها زمن الطيبين.
ولكن، هل معنى ذلك أن الطيبة انتهت وتلاشت في هذا الوقت؟
كلا؛ فالطيبة موجودة والناس الخيرون وأصحاب الخلق الحسن موجودون، ولكن المؤلم أن ينتشر الحسد والغل والقطيعة بين الناس على أتفه الأسباب بخلاف ما كان بين الناس في الماضي.
ما يؤلم هو داء المقارنة والتنافس في المظاهر، حتى لو كان الإنسان فقيراً لا يملك قيمة تلك المظاهر والكماليات.
المؤلم هو سيل الإعلانات التي تهاجم المرء من كل حدب وصوب مع كثرة الذي يتصلون بك، ويلاحقونك لشراء جهاز أو هاتف أو سيارة بالتقسيط أو إصدار بطاقات الشراء بالدين.
لم يعد الهدوء الذي كان الناس يعيشون فيه كالسابق موجوداً.
فإذا كانت سيارتك قديمة سمعت الهمز واللمز وضرورة تغييرها وكثرة المغريات لذلك. وإن كان هاتفك موديل السنة الماضية سمعت التلميح بمميزات الجديد وتوافره بالتقسيط.
وإن كان بيتك صغيراً أو أثاثك عتيقاً، ولو كان صالحاً للعيش والسكن سمعت من ينادي بالتوسعة والتجديد.
حتى يشك المرء بنفسه أهو يسير على الطريق الصحيح أم صار متخلفاً يحتاج هو إلى التغيير؟
ومع الاستجابة لكافة النداءات بالتغيير والتجديد والشراء بالدين والتقسيط يصبح الراتب الذي كان كافياً للعيش بكرامة ضيقاً، وتسْوَدّ الدنيا في عين صاحبها متسائلاً عن المخرج مما ورط نفسه فيه.
لم تكن تلكم المغريات والطرق متاحة بهذه الكثرة التي عليها الناس الآن، ونادراً ما كان يُعاب الإنسان على قِدم بيته أو سيارته، وهذا ما يجعل البعض الآن يتمنى العيش في زمن لا يجد فيه التنغيص والمنغصات من حوله، مُرتاحاً قانعاً بما عنده، ولا يجد أمامه مئات الصور المزيفة من مشاهير الإنستغرام ممن يستعرضون نمط حياتهم الباذخ أمام الملايين وكأن لسان حالهم يقول للناس: موتوا بغيظكم!!
ولا حل لمن أراد الطمأنينة إلا أن يغلق أذنيه عن كلام الناس، ويتصرف وفق ما عنده من إمكانات وقدرة، وأن يقلل النظر إلى الحسابات التي تروج وتبيع السلع بالتقسيط، إلا إذا كان عازماً على الشراء مع ضرورة النظر في كافة البدائل واختيار الأنسب لحالك لا لما يطلبه الناس. هذا إذا كنت تريد العيش بطمأنينة وراحة بال.
ومن قال لك اشتر، جدد، قَسطْ وأنت لا تملك فقل له: إذا كان على حسابك فأنا من الآن مستعد.