أمل محمد أمين
لفت انتباهي أنك تجد في الأجيال الأكبر سناً، وخاصة قبل الألفية وظهور وسائل التواصل الاجتماعي احتراماً وإجلالاً كبيرين من الطلبة للمعلمين الذين تتلمذوا على أيديهم، وأحياناً نسمع إحدى الشخصيات الناجحة يذكر فضل أحد معلميه عليه في تفوقه أو تغير حاله، فما الفرق بين المعلم الناجح والمعلم الفاشل وما الفرق بين المعلم والمدرس؟
وللإجابة عن هذا السؤال علينا أن نتناول الموضوع من عدة جوانب، وسأطرح في هذا الموضوع سلوك الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في التعليم وهو المعلم الأكبر والأهم في تاريخ البشرية، وإذا تتبعنا تحول قوم الرسول -عليه الصلاة والسلام- وعاداتهم في الجاهلية إلى التحضر في الطلب والسؤال نثق كل الثقة بأن طريقته هي الأصح والأنجع في التعليم.
وكان في العهدين المكي والمدني يربي أصحابه ويعلمهم، ويحثهم على مكارم الأخلاق، ويوضح لهم دقائق الشريعة وأحكامها بأساليب علمية تربوية، ومن هذه الوسائل تكرار الحديث والتأني فيه فذلك أسهل في حفظه وأعون على فهمه، وأدعى لاستيعابه ووعي معانيه، ولذلك حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على تكرار الحديث في غالب أحيانه، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم- «كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه وكان -صلى الله عليه وسلم- يتأنَّى ولا يستعجل في كلامه بل يفصل بين كلمة وأخرى، حتى يسهل الحفظ، ولا يقع التحريف والتغيير عند النقل، وكان يسهل على السامع أن يعد كلماته، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يسرد الحديث كسردكم) أي إنه كان يبسط المعنى حتى يصل إلى عقول وأذهان المستمعين.
عدم الإكثار والإملال
كان -صلى الله عليه وسلم- يقتصد في مقدار تعليمه وزمانه، حتى لا يمل الصحابة، وينشطوا لحفظه، ويسهل عليهم عقله وفهمه، فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخولنا «يتعهدنا» بالموعظة في الأيام، كراهة السآمة (الملل) علينا، وبهذا يكون الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام سبق غيره من متخصصي التدريب والتنمية البشرية في معرفة أن العقل يصاب بالملل بعد فترة معينة من تلقي الدرس.
ضرب الأمثال
للمثل أثر بالغ في إيصال المعنى إلى العقل والقلب، ذلك أنه يقدم الأمر المعنوي في صورة حِسية فيربطه بالواقع، ويقربه إلى الذهن، فضلاً على أن للمثل بمختلف صوره بلاغة تأخذ بمجامع القلوب، وتستهوي العقول، ولذلك استكثر القرآن الكريم من ضرب الأمثال، وذكر حكمة ذلك في آيات كثيرة، فقال الله تعالى «وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ»، وعلى هذا المنهج الكريم سار النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستكثر من ضرب الأمثال، حتى قال عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: عقلت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألف مثل» وقد أُلِفت كتب متعددة في الأمثال في الحديث النبويّ.
التعليم من خلال طرح السؤال
طرح السؤال من الوسائل التعليمية والتربوية المهمة في ربط التواصل القوي بين المُعَلِّم والمعلَّم، والمُرَبِّي والمُرَبَّى، ولذلك استخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- السؤال في صور متعددة لتعليم الصحابة، ما كان له كبير الأثر في حسن فهمهم وتمام حفظهم، وتفاعلهم عملياً مع المعاني التربوية المقصودة، فأحيانا يوجه النبي -صلى الله عليه وسلم- السؤال لتشويق المستمع ولفت انتباهه للمعنى المراد، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)(مسلم».
هذه بعض الوسائل النبوية في تعليمه - صلى الله عليه وسلم- للأمة دينها، وما يستقيم به أمرها في الدنيا والآخرة، وقد ترك لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثروة هائلة ومنهجاً عظيماً من وسائل التربية والتعليم، التي تعين على سهولة الحفظ وحسن التعلم وسمو التربية، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة وقدوة حسنة كما قال الله تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً».