حنان الخلفان
في كثير من العلاقات، سواء أكانت أسرية أو اجتماعية، يتّخذ أحد الأطراف دور الطرف الأضعف، الذي يتحمّل دون وجه حق مسؤولية جميع المشكلات والخلافات. يتحوّل هذا الشخص إلى «كبش فداء» يُلقى عليه اللوم والانتقاد بشكل مستمر، رغم أن العلاقات في جوهرها تُبنى على المشاركة والمسؤولية المتبادلة. هذا الوضع المختل يخلق بيئة من الضغط النفسي والتوتر، ويؤدي إلى تدهور العلاقة وتفاقم المشاعر السلبية، مما يقلّل من فرص التواصل الفعّال والتفاهم بين الأطراف المعنية.
في كثير من الأحيان، يكون الطرف الأضعف هو الأكثر حرصاً على الحفاظ على استقرار العلاقة، فيبذل جهده لتقديم التنازلات وتجنب الخلافات، أملاً في تحسين الوضع. ومع ذلك، يُقابل هذا الجهد بإهمال أو استهتار من الطرف الآخر، الذي يتهرّب من مسؤولياته ويميل إلى إلقاء اللوم على الطرف الأضعف عند كل مشكلة أو خلاف. هذه الديناميكية تؤدي إلى خلق بيئة غير صحية، حيث يصبح الطرف الأضعف مُجبراً على تحمّل عبء العلاقة بأكملها، مما يتركه في حالة من الإجهاد النفسي والشعور بالظلم. الإصرار على تحميل الطرف الأضعف المسؤولية يُحوّل العلاقة إلى عبء ثقيل، ويُفقدها جوهرها الأساسي من الدعم المتبادل.
الطرف الأقوى في هذه المعادلة يستخدم الطرف الأضعف كوسيلة لتفريغ إحباطاته وغضبه، متخذاً منه هدفاً سهلاً للوم في كل موقف صعب أو مشكلة تطرأ. هذه الممارسات لا تقتصر على الإضرار بالطرف الأضعف فحسب، بل تضر بالعلاقة ككل، لأنها تُحوّلها إلى ساحة للانتقاد والاتهام بدلاً من أن تكون مجالاً للتعاون والتفاهم. البيئة السامة التي تتشكل من هذه الديناميكية تفتقر إلى التوازن والاحترام المتبادل، مما يجعل العلاقة أكثر هشاشة وعرضة للانهيار في أي لحظة.
في العلاقات السليمة، يجب أن يتحمّل كل طرف نصيبه من المسؤولية، وأن يعترف بدوره في كل نجاح أو فشل يطرأ. العلاقات الصحية لا تُبنى على أن يتحمّل أحد الأطراف كل الأعباء بينما يتنصل الآخر من دوره، بل تقوم على العدل والمساواة في تحمّل التبعات والقرارات. وكما تقول الحكمة: «العدل أساس الحياة»، فإن أي علاقة تفتقر إلى العدل تصبح بيئة غير صالحة للنمو والاستمرار. عدم الاعتراف بالأخطاء المشتركة يخلق فجوة تزيد من التباعد بين الأطراف وتضعف الثقة بينهما.
لتصحيح هذه الديناميكية، يجب على الطرف الأضعف أن يُدرك أنه ليس مسؤولاً عن حلّ كل المشكلات وحده، وأنه يستحق الاحترام والتقدير كشريك متكامل. عليه أن يضع حدوداً واضحة ويطالب بمعاملة عادلة ومتوازنة. من الضروري أن يُعبّر عن احتياجاته ومشاعره بصدق، وأن يرفض تحمّل مسؤوليات لا تخصّه وحده. من جهة أخرى، يجب على الطرف الأقوى أن يتحمّل نصيبه من المسؤولية وألا يتخذ من شريكه شماعة لتعليق أخطائه. الاعتراف بالمسؤولية ليس دليلاً على الضعف، بل علامة على النضج والقدرة على مواجهة المشكلات بحكمة.
الأمر يتطلّب شجاعة من الطرف الأضعف للخروج من دور الضحية والمطالبة بمعاملة عادلة. عليه أن يعيَ أن الصمت والرضوخ لن يحل المشكلة، بل قد يزيد من تعقيدها، ويؤدي إلى تراكم المرارة. كذلك، الطرف الأقوى يجب أن يتخلّى عن أنانيته وأن يتعلّم كيف يشارك في صنع الحلول، وأن يكون داعماً لا مثبطاً. العلاقة الناجحة هي تلك التي يتشارك فيها الطرفان بكل شفافية وصراحة، ويسعيان معاً لتخطي التحديات بروح الفريق الواحد، لا بإلقاء اللوم على الآخر.
وبصراحة.. العلاقات القوية والمتينة تُبنى على أسس من الاحترام المتبادل، الشفافية، وتحمّل المسؤولية المشتركة. عندما يتحوّل أحد الأطراف إلى كبش فداء، فإنه يُضحي بمشاعره وحقوقه في سبيل استمرارية غير متكافئة للعلاقة، مما يعمّق الشعور بالظلم والإجهاد. للأسف، هذا الدور يُلاحظ بشكل كبير في العلاقات الزوجية، حيث يتحمّل أحد الزوجين، غالباً الطرف الأكثر تفهماً وحرصاً، مسؤولية كل إخفاقات وصراعات العلاقة. على الجميع أن يتذكروا أن الشراكة الحقيقية تتطلّب دعماً متبادلاً، وألا أحد يجب أن يتحمّل العبء وحده. التوازن في المسؤوليات هو مفتاح النجاح، وهو الضامن الوحيد لاستمرار العلاقات بروح من المودّة والاحترام بعيداً عن دائرة اللوم المستمر.