أميرة صليبيخ
خلال رحلتي كمتطوعة لإطعام وإنقاذ الحيوانات المشردة، تعلمّتُ الكثير من الدروس المُلهمة التي أنارت بصيرتي وأعادت التوازن لحياتي وجعلتني أستشعر عظمة الله في ادق التفاصيل، وبقدر ما كنت أظن أنني أنا من يقوم بمساعدتها ويخفّف عنها بؤس الواقع، اكتشفت أنها هي أيضاً تساعدني بطريقتها الخاصة.
وباستمرار احتكاكي بها، كانت شخصياتها تتكشّفُ لي واحداً بعد آخر، وهو أحد أكثر الأمور التي انبهرت واستمتعت بها.
فهناك الشخصية القيادية التي تحاول السيطرة على المجموعة، وهناك الشخصية الغيورة التي يُزعجها تدليلك للحيوانات الأخرى فتحاول إما أذيتها أو الانسحاب بعيداً مكسورة القلب، وهناك الشخصية الخاضعة، والشخصية الخائفة، والفضولية، والمترددة والحذرة والمتمّردة واللعوبة ووو..إنها عوالم مشابهة تماماً لعالمنا نحن البشر، واللغة المشتركة للتواصل بيننا هي لغة الحُبّ التي تتجلّى مظاهرها من خلال الاهتمام، والاحتضان، والملاطفة، وغيرها.
فالحيوانات تستطيع قراءة نيتك تجاهها مهما حاولت إخفاءها، فهي تعلم أنك تقترب لمساعدتها أو إيذائها وستظهر ردّة فعل تتناسب مع نواياك. فإن كنت تعتقد أن الحيوانات لا تعقل، فعليك أن تُعيد النظر.
فبالنسبة للكلاب مثلاً، فهي حيوانات ذكية ذات شخصية قوية، ولكن لطافتها توردها للتهلكة أحياناً، قنوعة لأبعد درجة ويكفيها منك بعض التربيت أو المسح على الرأس حتى تشعر بالسعادة والامتنان، وستعبّر لك عن شكرها طوال العمر.
وستظل دائماً تحبّك دون شروط مقابل منحها الاهتمام فقط وسترحب بك دائماً كأنك الكائن الوحيد المتبقي على هذه الأرض، وهي مشاعر قلّما تستطيع الحصول عليها من البشر.
أما القطط فشخصيتها حازمة أكثر من الكلاب ولا تسمح بالاقتراب من حدودها أكثر من اللازم.
تعرف اختيار أصحابها جيداً بعد تأمّل ومراقبة لهم عن كثب. لديها أهداف واضحة ولن يثنيها شيء عن تحقيقها، حتى لو كانت ستعبر تحت إطارات سيارة! فهي تمضي وعينها على الهدف فقط وهو أمر أغبطها عليه، لأننا كبشر سرعان ما ننهزم ونتراجع عما نريده ونضع حداً لطموحنا بسبب الآخرين.
وبقدر حماسها وسعيها نحو أهدافها إلا أنها أيضاً تعرف متى تتوقف عن السعي وترتاح بهدوء دون أدنى شعور بتأنيب الضمير على عكس البشر الذين يبرعون في اختراع القلق والحزن والشقاء وإفساد كل لحظة.
حياة الحيوانات مليئة بالدروس والحِكَم والتي نستطيع تعلّم ما يفيدنا منها، ولعل أهم درس تعلمته منها هو الرحمة فهي كل ما يحتاجه البشر الآن تجاه بعضهم بعضاً.